علماء النفس

إيفان بافلوف – تجاربه وإكتشافاته

إيفان بافلوف (بالروسية: Иван Петрович Павлов)، هو عالم فسيولوجيا روسي، يُعتبر من أكثر الشخصيات تأثيرًا في مجال علم النفس على الرغم من خلفيته الأساسية في الفسيولوجيا. عمله الرائد في التكييف الكلاسيكي (Classical Conditioning) قد أسس أساسًا للسلوكية  (Behaviorism)، وهو منظور نظري رئيسي في علم النفس. كان لأبحاث بافلوف تأثيرات واسعة النطاق شكلت فهمنا للتعلم والسلوك والآليات التي تحكم استجابات الإنسان والحيوان.

وُلد إيفان بتروفيتش بافلوف في 14 سبتمبر 1849 في ريازان، روسيا. بدأ دراسة اللاهوت، لكنه سرعان ما تحول إلى العلوم، حيث التحق بجامعة سانت بطرسبرغ لدراسة العلوم الطبيعية. تخصص لاحقًا في الفسيولوجيا وأجرى أبحاثًا واسعة النطاق على الجهاز الهضمي، وحصل على جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب عام 1904 لإسهاماته في فسيولوجيا الهضم.

أبحاث بافلوف الأكثر شهرة ظهرت بشكل عرضي أثناء دراسته للعمليات الهضمية لدى الكلاب. لاحظ أن الكلاب بدأت تُفرز اللعاب ليس فقط عند تقديم الطعام لها، بل أيضًا عند سماع خطوات مساعد المختبر الذي يُطعمها. مفتونًا بهذا الظاهرة، صمم بافلوف تجارب للتحقق في هذا “الإفراز النفسي”، أدى ذلك في النهاية إلى صياغة مبادئ التكييف الكلاسيكي.

في تجربته الكلاسيكية، ادخل بافلوف جرساً منبهًا محايدًا لروتين إطعام عدد من الكلاب، يدق الجرس، ويتبعه بتقديم الطعام . بعد عدة اقترانات بين دق الجرس وتقديم الطعام، بدأت الكلاب تُفرز اللعاب استجابةً لصوت الجرس بمفرده حتى قبل رؤية الطعام. أظهرت هذه التجربة أن السلوكيات يمكن تعلمها من خلال الارتباط، مقدمةً تفسيرًا آليًا (mechanistic explanation) لأنواع معينة من التعلم والسلوك.

كان لأبحاث بافلوف تأثير كبير على علم النفس، خاصة في تطوير السلوكية.

السلوكية، والتي أسسها جون ب. واتسون، أكدت على دراسة السلوك المرصود ورفضت الاستبطان في دراسة العمليات العقلية وإعتبرتها غير علمية وذاتية. تبنى واتسون مبادئ التكييف التي اكتشفها بافلوف، وطبقها على السلوك البشري مدعيًا أن كل الأفعال البشرية يمكن فهمها من خلال دراسة العلاقات بين المنبه والاستجابة.

تم تطبيق مبادئ التكييف الكلاسيكي في مجالات عديدة، بما في ذلك علم النفس، التعليم، والعلاج النفسي. في علم النفس السريري، تُستخدم الآن تقنيات تعتمد على التكييف الكلاسيكي، مثل إزالة الحساسية الممنهجة (Systematic Desensitization) والعلاج بالتقزز (Aversion Therapy)، لعلاج الرهاب (Phobias) والإدمان (Addictions) والسلوكيات الأخرى غير التكيفية. تُدمج أيضًا ممارسات التعليم مبادئ التكييف لتعزيز التعلم وإدارة السلوك.

رغم تأثير أعمال بافلوف الكبير لم تنجو أعماله من النقد. يجادل بعض علماء النفس بأن التكييف الكلاسيكي يُبسّط السلوكيات البشرية المعقدة ويتجاهل دور العمليات المعرفية والعواطف. النموذج الآلي لبافلوف لا يأخذ في الحسبان الدور النشط الذي يلعبه الأفراد في تجاربهم التعليمية، وهو منظور تناولته لاحقًا المدرسة المعرفية وعلماء النفس الإنساني (Cognitive and humanistic psychologies).

تمتد إسهامات إيفان بافلوف في علم النفس إلى ما بعد حياته، حيث تواصل أبحاثه إلهام وتوجيه الأجيال اللاحقة من علماء النفس. عمله الرائد في التكييف الكلاسيكي قدم إطارًا قويًا لفهم التعلم والسلوك، مما عزز إرثه كشخصية أساسية في علم النفس.

إن اكتشاف إيفان بافلوف للتكييف الكلاسيكي مثّل علامة فارقة في علم النفس، مؤثرًا على تطوير السلوكية وشكل الفهم المعاصر للتعلم والسلوك. على الرغم من القيود والإنتقادات التي واجهتها أعماله؛ فإن أعمال إيفان بافلوف الرائدة في التكييف الكلاسيكي ستظل مرجعًا أساسيًا في علم النفس، كونها ساعدت الباحثين على تكوين فهم أعمق للتعلم والسلوك.

توضح تجاربه أيضاً التأثير العميق الذي يمكن أن تُحدثه الأبحاث العلمية الصارمة على العديد من التخصصات التي لا يبدو أن لها علاقة.

  • Pavlov, I. P. (1927). Conditioned Reflexes. Oxford University Press.
  • Todes, D. (2014). Ivan Pavlov: A Russian Life in Science. Oxford University Press.
  • Windholz, G. (1997). Pavlov and His School: The Theory of Conditioned Reflexes. Lawrence Erlbaum Associates.
  • Ivan Pavlov, Image source: The image is licensed under the Creative Commons Attribution-Share Alike 4.0 International license

محمد قحطان

A medical student, and a scientific-content writer who writes mostly in Arabic, mainly about Psychology, Psychiatry, Philosophy, and the liberal arts
زر الذهاب إلى الأعلى