الشخصية وأنماطها في علم النفس

اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع – أين تكمن خطورته؟

الشخصية المعادية للمجتمع

اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder – ASPD) هو حالة عقلية مزمنة تتميز بنمط سلوكي متكرر من عدم الاهتمام بحقوق الآخرين، السلوك الاندفاعي، وانعدام التعاطف والندم. هذا الإضطراب هو حالة نفسية خطيرة تؤثر على سلوك الشخص وعلاقاته، وغالبًا ما تؤدي إلى عواقب اجتماعية وقانونية.

يُعرَّف اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD) بنمط سلوكي مستمر ينتهك المعايير الاجتماعية وحقوق الآخرين. تظهر الحالة عادةً في مرحلة المراهقة وتستمر حتى سن البلوغ، وتتميز بنمط طويل الأمد من التلاعب، الاستغلال، وعدم الاهتمام لمشاعر وحقوق الآخرين.

يظهر اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD) بشكل أكثر تكرارًا بين الذكور مقارنةً بالإناث، حيث يُقدر معدل انتشاره بحوالي 1-4% من السكان عمومًا. يُشاهد الاضطراب عبر جميع الثقافات والطبقات الاجتماعية، لكنه أكثر شيوعًا في الأفراد ذوي الوضع الاجتماعي الاقتصادي المنخفض، وكذلك عند أولئك الذين لديهم تاريخ عائلي للاضطراب.

أسباب اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع متعددة العوامل (Multifactorial)، وتشتمل على مزيج من العوامل الوراثية، البيولوجية، والبيئية.

تشير الدراسات إلى أن الوراثة تلعب دورًا كبيرًا في الإصابة بهذا الإضطراب؛ حيث تُلاحظ معدلات إصابة أعلى في التوائم المتطابقة مقارنة بالتوائم غير المتطابقة.

تشمل العوامل العصبية البيولوجية الشذوذات في القشرة الأمامية وانخفاض الاستجابة التلقائية للإجهاد، مما قد يساهم في السلوكيات الاندفاعية والمخاطرة المرتبطة بإضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.

 تلعب العوامل البيئية مثل إساءة معاملة الفرد في طفولته، الإهمال، والتعرض للعنف، دورًا كبيرًا أيضًا في تطور اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.

يمكن أن تتنوع أعراض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع بشكل كبير، ولكنها تشمل عمومًا ما يلي:

  • التلاعب: استخدام الحيل والكذب والتلفيق للتلاعب بالآخرين لتحقيق مكاسب شخصية.
  • الخداع: الكذب المستمر أو الخداع لاستغلال الآخرين.
  • الاندفاع: التصرف دون التفكير في العواقب.
  • التهيج والعدوانية: المشاجرات المتكررة التي قد تصل إلى الاعتداءات الجسدية.
  • التهور: تجاهل سلامة أنفسهم أو الآخرين.
  • عدم تحمل المسؤولية: الفشل في الحفاظ على عمل ثابت أو الوفاء بالالتزامات الشخصية أو المالية.
  • انعدام الندم: اللامبالاة بـ/ أو محاولة تبرير الأذى الذي يلحق بالآخرين بشكل متكرر وفي كل مرة.

يتضمن تشخيص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD) عادةً تقييمًا نفسيًا شاملاً، بما في ذلك التاريخ الطبي والاجتماعي التفصيلي. بعد السؤال عن أعراض معينة مميزة لللإضطراب، يتم تطبيق أحد معايير التشخيص لمعرفة فيما اذا كانت الحالة تمثل إضطراباً ام لا.

من الضروري التفريق بين اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD) والاضطرابات الشخصية الأخرى مثل اضطراب الشخصية الحدية (borderline personality disorder)، اضطراب الشخصية النرجسية (narcissistic personality disorder)، والسيكوباثية (psychopathy) التي تتشارك بعض الميزات المتداخلة.

يُعتبر علاج اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD) تحديًا؛ بسبب الخصائص الكامنة في الاضطراب، من انعدام الندم والسلوكيات التلاعبية التي يمكن أن تعرقل التقدم العلاجي. ومع ذلك، هناك عدة نُهج يمكن أن تكون مفيدة:

  • العلاج النفسي: يُستخدم العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive-Behavioral Therapy – CBT) عادةً لمساعدة الأفراد على التعرف على الأنماط الفكرية والسلوكية الضارة وتغييرها. يمكن أن يركز العلاج على تحسين المهارات الاجتماعية، التحكم في الاندفاع، وتقليل السلوكيات العدوانية.
  • العلاج الدوائي:
    لا توجد أدوية محددة معتمدة لعلاج اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD)، ولكن يمكن استخدام بعض أنواع الأدوية للسيطرة على بعض الأعراض مثل التهيج، العدوانية، أو لعلاج الإضطرابات النفسية الأخرى المشتركة (موجودة في نفس الوقت لدى من لديه الإضطراب) مثل الاكتئاب أو القلق.
    يمكن وصف مضادات الاكتئاب، مضادات الذهان، ومثبتات المزاج بناءً على احتياجات الفرد.
  • التأهيل الاجتماعي والمهني:
    البرامج التي تركز على تحسين المهارات الاجتماعية، فرص العمل، والاندماج المجتمعي يمكن أن تساعد الأفراد الذين يعانون من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD) على عيش حياة أكثر إنتاجية.
  • العلاج الأسري:
    يمكن أن يساعد إشراك أفراد الأسرة في العلاج على تحسين التواصل والعلاقات، وتوفير بيئة داعمة للفرد الذي يعاني من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD).

يتفاوت مسار التعافي للأفراد المختلفين الذين يعانون من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD). في حين أن البعض قد يُظهر تحسنًا مع العلاج، يستمر العديد في مواجهة صعوبات كبيرة في حياتهم الشخصية والمهنية.

إن الطبيعة المزمنة للاضطراب، إضافة إلى ميل من لديهم الإضطراب لمقاومة العلاج (بحكم الطباع المميزة له بالطبع)، يجعل من السيطرة على الحالة على المدى الطويل تحديًا.

أحد التحديات الرئيسية في علاج اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD) هو عدم إدراك الفرد لحاجته وقلة استعداده لطلب المساعدة، وهذه مشكلة مشابهة لما يحصل في إضطراب الشخصية النرجسية.

يمكن التغلب على هذه المقاومة من خلال بناء علاقة علاجية قوية واستخدام تقنيات المقابلات التحفيزية (Motivational interviewing techniques) لجعل المريض أكثر تعاوناً.

اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع هو حالة نفسية معقدة وصعبة تتطلب نهجًا شاملاً ومتعدد التخصصات للسيطرة الفعالة على الإضطراب وعلاجه.

إن فهم الأسباب الأساسية للاضطراب، التعرف على أعراضه، وتنفيذ استراتيجيات علاجية مناسبة هي خطوات أساسية في تحسين النتائج للأفراد الذين يعانون من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. تواصل الأبحاث والتقدمات السريرية تعزيز معرفتنا وعلاجنا لهذا الاضطراب المنتشر.

  • U.S. Department of Health and Human Services (HHS). Available at: https://www.hhs.gov
  • National Institutes of Health (NIH). Available at: https://www.nih.gov
  • Centers for Disease Control and Prevention (CDC). Available at: https://www.cdc.gov
  • National Library of Medicine (NLM). Available at: https://www.nlm.nih.gov
  • Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5), American Psychiatric Association.

محمد قحطان

A medical student and scientific-content writer who crafts articles in Arabic and English, blending scientific rigor and literary elegance, focusing primarily on Psychology, Psychiatry, Philosophy, Literature, and the liberal arts
زر الذهاب إلى الأعلى