الاضطرابات النفسية

Post-traumatic stress disorder: أعراضه، وتفصيل في أساليب التشخيص والعلاج

emotional and psychological trauma

يُعتبر اضطراب ما بعد الصدمة (بالانجليزية: Post-traumatic stress disorder (PTSD)) من الاضطرابات النفسية التي تصيب الأفراد بعد تعرضهم لتجارب نفسية صادمة أو مؤلمة. يتميز هذا الاضطراب بمجموعة متنوعة من الأعراض التي قد تستمر لفترة طويلة بعد الحادثة المؤلمة، وتؤثر سلبًا على حياة الشخص المتعرض له.

يُعرف اضطراب ما بعد الصدمة بأنه إضطراب في الحالة النفسية ينشأ نتيجة تعرض الفرد لصدمة نفسية (Psychological trauma) عادة، أو جسدية خارجة عن المألوف، وتظهر على شكل تجارب مزعجة وذكريات مؤلمة تتكرر بشكل مستمر ومؤلم.

ان كل من يمر بتجربة مؤلمة أو يشهد أمامه حدثاً صادماً معرض لإضطراب ما بعد الصدمة، لكن تبقى هناك فروق شخصية في القابلية لحصول ذلك، حيث يتحمل البعض أكثر من حدث وبفترات متقاربة دون أن يطور الإضطراب، بينما قد يكون حدث واحد صادم (traumatic) كافٍ لآخرين. يرجع هذا لتباينات في الشخصية والجينات وعوامل أخرى.

هناك عدة عوامل قد تسهم في تطور اضطراب ما بعد الصدمة، منها:

  • الحوادث الصادمة:  مثل الحوادث المرورية، الكوارث الطبيعية، والاعتداءات الجسدية.
  • الصدمات النفسية:  مثل فقدان فرد من العائلة أو التعرض لعنف جسدي أو جنسي.
  • العوامل البيولوجية:  تشير الأبحاث إلى أن هناك عوامل وراثية ونسب هرمونية قد تلعب دورًا في احتمالية تطوير الشخص لاضطراب ما بعد الصدمة رغم كون التجربة غير كافية نظرياً لتسبب ضهور أعراض.
  • مشاهدة حدث مؤلم يحصل لأشخاص آخرين، أو حتى سماع وصف لحادث حدث لشخص آخر.
  • التعرض لمواقف مجهدة نفسياً (Psychologically stressful) بشكل متكرر: يمكن أن يزيد التعرض لمواقف مؤلمة متكررة أو متعددة من خطر تطوير اضطراب ما بعد الصدمة، وهذا قد يشمل التعرض لعوامل الإجهاد في العمل، أو التعرض للإجهاضات المتكررة، أو التعرض للتنمر.
  • التعرض للعنف المتكرر: يمكن أن يؤدي، سواء كان ذلك في العلاقات الشخصية أو في البيئة الاجتماعية، إلى زيادة احتمالية ظهور أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
  • للتعرض المفاجئ للإهمال النفسي أو الجسدي في الطفولة خصوصاً، أو في العلاقات الشخصية، قد يكون ذا أهمية كبيرة في تطوير اضطراب ما بعد الصدمة.
  • أن يشهد الفرد كوارث طبيعية أو انسانية.
  • إعادة الشعور بالتجربة النفسية (الفلاشباكات) (Flashbacks): تكرار الذكريات المؤلمة أو الحوادث الصادمة التي تعرضوا لها بشكل عرضي ودون تخطيط او رغبة، مما يؤدي إلى شعور بالقلق والخوف وعدم الراحة. كذلك تكرر الأحلام والكوابيس المرتبطة بذلك الحدث.
  • أعراض جسدية مثل الصداع، آلام في العضلات، واضطرابات في الهظم.
  • التجنب والابتعاد (Avoidance): تجنب الأماكن أو الأشخاص أو الأنشطة التي قد تذكرهم بالحدث الصادم، مما يؤدي إلى انعزالهم اجتماعيًا وتقليل نشاطاتهم اليومية.
  • التفكير السلبي (Negative Thoughts): التفكير السلبي حول النفس والآخرين والعالم من حولهم، وقد يتضمن ذلك الشعور بالذنب أو العجز أو التشاؤم تجاه المستقبل.
  • التهيج والارتباك (Hyperarousal): حالة مستمرة من التوتر والتهيج، تؤدي إلى صعوبة النوم والتركيز والاسترخاء، ويمكن أن يظهر ذلك في شكل ردود فعل عصبية مفاجئة.
  • الاكتئاب والقلق (Depression and Anxiety): قد تظهر اضطرابات الاكتئاب والقلق بشكل متزامن مع اضطراب ما بعد الصدمة، مما يزيد من صعوبة معالجة الحالة وزيادة صعوبة التجربة.

يجب أن تبدأ الأعراض عادة خلال ثلاثة أشهر من التعرض للحدث الصادم (the traumatic event)، وتستمر لمدة شهر على الأقل ليتم تشخيصها بهذا الاضطراب. قد يرافقها اعراض او حتى مشاكل نفسية أخرى كالإكتئاب واضطرابات القلق.

يتم إعتماد أحد النماذج الآتية في تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة:

  1. دليل  DSM-5: يعتبر الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) من أهم المراجع المستخدمة في تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة. يحتوي الدليل على معايير تشخيصية محددة لهذا الاضطراب تعتمد على الأعراض والمدة والتأثير على حياة الشخص.
    *(تجد في الأسفل تفصيلاً عين كيفية التشخيص بالأعتماد على هذا الدليل كونه الأهم والأكثر شيوعاً).
  2. اختبارات السلوك والمقابلات: يمكن كذلك استخدام اختبارات مثل مقابلة الصحة الشاملة (SCID) أو مقابلة الحدث الشامل (CIDI) لتقييم الأعراض والتاريخ النفسي للفرد.
  3. التقييم السريري: يقوم الطبيب النفسي بتقييم الفرد من خلال المقابلات والمتابعة لتحديد وجود وإستمرار الأعراض المتعلقة بالاضطراب.

يجب أن يتم تقديم التشخيص بواسطة متخصص في الصحة النفسية مثل الطبيب النفسي أو المعالج النفسي المؤهل.

يشير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الخامس (DSM-5) إلى أن تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة يتطلب توافر مجموعة محددة من الأعراض والتي يجب أن تستمر لمدة لا تقل عن شهر وتكون مرتبطة بحدث محدد أو عدة أحداث مؤرقة لكنها كذلك محددة. الأعراض الرئيسية التي يجب وجود ثلاثة منها لتشخيص PTSD هي:

  1. الاضطراب في الذاكرة وإعادة التجارب النفسية (Intrusive Memories): يمكن أن تظهر ذكريات مؤلمة للحدث الصادم في شكل رؤى، أو أحلام مزعجة، أو فلاشباكات (flashbacks) حيث يشعر الفرد بأنه يعيش الحادث مرة أخرى.
  2. تجنب الذكريات المؤلمة  (Avoidance): يتجنب المصاب التفكير أو الحديث عن الحادث الصادم، مع تجنب للأماكن أو الأشخاص أو الأنشطة التي تذكره بالحادث.
  3. زيادة في التهيج أو الاستثارة (Hyperarousal): إضهار أعراض مثل القلق المفرط، والتهيج، والسهولة في الاستفزاز، وصعوبة النوم، والمبالغة في الاستجابة للمفاجآت.
  4. تغيرات سلبية في الإدراك والمزاج (Negative Alterations in Cognitions and Mood): مثل الشعور بالعجز أو الذنب أو فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت في السابق ممتعة.

يجب أن تكون هذه الأعراض قد نتيجة حصول حدث واحد أو عدة أحداث مؤلمة ومحددة، وأن يكون لها تأثير سلبي على الحياة اليومية والوظيفة الاجتماعية.

ينجم عن تجارب الصدمة تغيرات في هيكل ووظيفة الدماغ، بما في ذلك اضطرابات في الأقسام المسؤولة عن معالجة الخوف والقلق والتذكر.

تؤثر الأحداث الصادمة على العمليات العقلية مثل التفكير والذاكرة والانتباه، عندما يحصل هذا بدرجة واضحة لفترة معينة يتم تشخيص الفرد بالإصابة بالإضطراب. *(لاحظ ان الكثير من المواقف المزعجة قد تسبب خوفاً وقلقاً وتكون ذات تأثير سلبي على الإنتباه، لكن يجب ان يحصل ذلك بدرجة معينة من الشدة ولفترة كافية لكي نسمي الحالة “إضطراباً”).

تتكون الآلية النفسية والعصبية لحدوث اضطراب ما بعد الصدمة من عدة عوامل مترابطة. يبدأ الأمر عند تعرض الفرد لحدث صادم (معروف للمصاب ومن حوله ويمكن تحديده)، والذي يؤدي إلى استجابة توترية شديدة (معنوية وفسيولوجية). في حالات اضطراب ما بعد الصدمة تستمر هذه الاستجابة لفترة طويلة بعد انقضاء الحدث، وتؤثر سلباً على حياة الشخص.

بالنسبة للعوامل النفسية: يتضمن ذلك  تأثر  الأفكار والمعتقدات التي يحملها الفرد حول حياته ونفسه، بالإضافة إلى التعامل مع الذكريات المؤلمة للحدث. كذلك قد تعيد له هذه التجربة مشاكلاً نفسية كانت لديه سابقاً، وكذلك تقلل من مدى رضاه بما لديه.

أما العوامل العصبية: فتشمل التغيرات في الأنظمة العصبية المختلفة، مثل نظام الاستجابة للتوتر (السيمباثو-أدرينالين)، ونظام الاستجابة بهورمونات الإجهاد (الكورتيزول)، وتغيرات أخرى في هيكل ووظيفة الدماغ.

تؤدي هذه العوامل النفسية والعصبية سوياً الى تشكل الاضطراب بعد حصول الصدمة. يؤدي التفاعل المستمر مع الذكريات المؤلمة والتفكير المتكرر في الحدث الصادم (the traumatic event) إلى استمرار الاضطراب وتفاقمه مع مرور الوقت.

تحصل التغيرات الآتية في أغلب من يعانون من إضطراب ما بعد الصدمة وتعتبر (حسب التفسير العلمي الحالي) آليات لنشوء الإضطراب:

  • اضطرابات في التنظيم العاطفي والتفكير:  يمكن للصدمات النفسية أن تؤدي إلى اضطرابات في تنظيم العواطف والتفكير، مما يؤثر على القدرة على التعامل مع الصدمة بشكل صحيح. على سبيل المثال، قد يحس الفرد بالقلق المستمر، والشعور بالعجز، والانفصال عن الآخرين.
  • تغيرات في الهيكل العصبي: يشير البحث العلمي الحديث إلى أن هناك تغيرات في هيكل الدماغ لدى أولئك الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، مثل اضطرابات في الجزء الوسيط للدماغ (The medulla oblongata) ونشاط غير طبيعي في نظام الإجهاد (Stress system).
  • نقص النشاط الهرموني: تغيرات في مستويات الهرمونات المتعلقة بالتوتر، مثل الكورتيزول والأدرينالين، مما يزيد من استجابة الجسم للتوتر (حساسية أكبر) ويسهم في تطور الأعراض.
  • تكوين الذاكرة الضمنية (Intrusive memory): قد يتم تكوين ذكريات مؤلمة غير معالجة في الذاكرة الضمنية، مما يؤثر على الشعور بالراحة والأمان، ويسهم في استمرار الأعراض.

تختلف تجارب الصدمة بناءً على طبيعتها وظروفها، وهذا ينعكس على طبيعة اضطراب ما بعد الصدمة الذي يمكن أن ينتج عنها. للتوضيح، سنقارن بين حالتين: التعرض للعنف الجنسي كمثال لحادث جسدي، ومشاهدة حدث مؤلم كمشهد حربي أو حادث.

  • التعرض للعنف الجنسي (إعتداء) كحادث جسدي:

يمكن أن يؤدي التعرض للعنف الجنسي إلى اضطراب يتميز بأعراض مثل الخوف المستمر والتذكر المؤلم للحادث والقلق المستمر.

قد تظهر أعراض جسدية مثل الآلام والأمراض المزمنة والاضطرابات الهضمية نتيجة للتوتر النفسي الناجم عن التعرض للعنف.

  • مشاهدة حدث مؤلم كمشهد حربي أو حادث:

في هذه الحالة، قد تكون الأعراض مماثلة لكنها تكون أقل شدة بالمقارنة مع التعرض المباشر للعنف.

قد يتطور الشعور بالعجز والضعف النفسي بسبب عدم القدرة على المساعدة أو التدخل لمنع الحدث المؤلم.

*لايشترط ان يكون هذا هو الحاصل في كل الحالات، حيث أن هذه الفروقات نتائج لدراستين عن موضوع الفرق في نوع الصدمة المتعرض لها، إلا ان هذه النتائج مماثلة لما يمكن أن نتوقعه نظرياً قبل إختباره بواسطة بحث يراجع ما حصل في الواقع مع حالات مشخصة مع الإضطراب.
راجع المصادر رقم 5 و4. (5عنف جسدي، 4مشاهدة حدث).

علاج اضطراب ما بعد الصدمة يتكون من ثلاثة أقسام:

  1. العلاج النفسي (العلاج السلوكي المعرفي CBT بشكل خاص):  يركز هذا العلاج على مساعدة الفرد على فهم أسباب اضطرابه والتخلص من السلوكيات الضارة التي قد تزيد مو سوء الأعراض وتزيد من مدة الإضطراب.  
  2. العلاج الدوائي:  الأدوية مثل مضادات الاكتئاب ومضادات القلق للمساعدة في التحكم  بالأعراض النفسية.
  3. العلاج الاجتماعي: يشمل دعم الأفراد المصابين بالاضطراب من خلال العلاقات الاجتماعية والدعم العاطفي (Emotional support).

يمكن علاج اضطراب ما بعد الصدمة بدون الحاجة إلى استخدام الأدوية. يشمل العلاج غالباً مجموعة من النهج العلاجية النفسية والتدخلات السلوكية التي تستهدف تقليل الأعراض وتحسين جودة حياة المصابين. من بين العلاجات النفسية التي قد تستخدم لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة:

  • العلاج السلوكي المعرفي :(CBT) (Cognitive Behavioral Therapy) يعتبر العلاج السلوكي المعرفي أحد العلاجات النفسية الفعالة لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة. يركز هذا العلاج على مساعدة المصابين في تغيير الأفكار والمعتقدات السلبية حول الحادث وتعلم مهارات التعامل مع الأعراض المؤلمة.
  • العلاج بالتعريض المعرفي (Cognitive Processing Therapy): يتضمن هذا العلاج تقديم الدعم والتوجيه للمصابين لمساعدتهم على مواجهة مخاوفهم وأفكارهم المؤلمة المرتبطة بالحادث، وذلك من خلال تعريضهم لذكريات الحادث بشكل إراديّ ومركز ومنظم. (كذلك يمكن إستخدامه لمعالجة أية مخاوف أو ذكريات سيئة بغض النظر عن كونها جزءاً من إضطراب أم لا).
  • التدريب على تقنيات التنفس والاسترخاء (Breathing and Relaxation Techniques): تعتمد هذه العلاجات على تعلم تقنيات التنفس العميق والاسترخاء، والتي يمكن أن تساعد في تقليل القلق والتوتر الناجم عن الاضطراب، وهذه التقنيات مفيدة في نوبات القلق بشكل خاص، ولها أساس فسيولوجي مَدروس.
  • العلاج النفسي الإيجابي  :(Positive Psychology Therapy) يستهدف هذا النهج تعزيز الموارد الداخلية للفرد وتطوير القدرة على التكيف والنمو الشخصي بعد التعرض للصدمة.
  • الدعم الاجتماعي  :(Social Support) يمكن أن يكون الدعم الاجتماعي من أفراد العائلة والأصدقاء والمجتمع مساهمًا كبيرًا في تحسين الرفاهية النفسية للأفراد المصابين بالاضطراب.

يجب أن يتم تقديم هذه العلاجات بواسطة متخصصين مؤهلين في الصحة النفسية. ومن المهم أن يتم تقديم العلاج بشكل فردي وفقًا لاحتياجات كل شخص بناءً على خصائص حالته وشدة الأعراض.

اضطراب ما بعد الصدمة يمثل تحديًا نفسيًا كبيرًا يمكن التعامل معه من خلال العلاج النفسي والدوائي. بفهم عميق لهذا الاضطراب وباستخدام العلاج المناسب، يمكن للأفراد المتأثرين بالاضطراب أن يستعيدوا جودة حياتهم ويعيشوا حياة صحية نفسية مستقرة.

  1. Koenen, K. C., & Galea, S. (2015). Post-traumatic stress disorder and associated disorders: A neglected topic in child and adolescent psychiatry. Current opinion in psychiatry, 28(4), 301-305.
  2. American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and statistical manual of mental disorders (5th ed.). American Psychiatric Publishing.
  3. Stein, D. J., McLaughlin, K. A., Koenen, K. C., Atwoli, L., Friedman, M. J., Hill, E. D., … & Kessler, R. C. (2014). DSM-5 and ICD-11 definitions of posttraumatic stress disorder: investigating “narrow” and “broad” approaches. Depression and anxiety, 31(6), 494-505.
  4. Norris, F. H., Friedman, M. J., Watson, P. J., Byrne, C. M., Diaz, E., & Kaniasty, K. (2002). 60,000 disaster victims speak: Part I. An empirical review of the empirical literature, 1981–2001. Psychiatry, 65(3), 207–239.
  5. Resick, P. A., & Schnicke, M. K. (1993). Cognitive processing therapy for rape victims: A treatment manual. Newbury Park, CA: Sage Publications.

محمد قحطان

A medical student, and a scientific-content writer who writes mostly in Arabic, mainly about Psychology, Psychiatry, Philosophy, and the liberal arts
زر الذهاب إلى الأعلى