غير مصنف

نظرية كذا ونظرية كذا، أين الحقائق في علم النفس؟

فرضية، نظرية، ثم حقيقة علمية.. كيف يتم ذلك في مجال علم النفس؟

كثيرًا ما يُتصوَّر علم النفس على أنه مجال مليء بالنظريات وقليلُ الحقائق العلمية. لعلنا نستطيع القول إنه لو لم تكن النظريات (التي لم تُثبت بعد، وهي كثيرة في علم النفس) ذات فائدة كبيرة وملموسة في تطوير مفاهيم العلاج النفسي، وفهم طبيعة الإنسان، لما كان هناك فائدة تستحق كل هذا البحث والجهد والدراسة في علم النفس.

لا بد في كل علم جديد – وعلم النفس جديد نسبيًا – من البدء بطرح الأسئلة الكثيرة، وتحليل توقعاتنا للإجابات المعقولة المحتملة لها، واختبار هذه الإجابات بما لدينا من علوم أساسية وأطر تحليلية، وبشكل خاص: علم المنطق. ومن ثم تكوين نتائج معقولة يتم فيما بعد اختبارها وإثبات أسسها بطرق متعددة، وهذا ما يمكن أن نسميه نظرية.

لا يزال بالرغم من كل ذلك عدد لا بأس به من الحقائق المؤكدة والمتفق عليها، سنذكرها بعد قليل.

تفيدنا النظريات النفسية بشكل أساسي في فهم وتوقع الظواهر النفسية والسلوك البشري، وتوفر للعلماء إطاراً يمكنهم من خلاله دراسة العناصر النفسية التي يؤدي تداخلها إلى التعبيبر عنها بشكل سلوك.

يمكن أن تكون بداية أية نظرية في علم النفس مختلفة عن غيرها، فبعضها يبدأ عن طريق ملاحظة لفعل معين متكرر عند أفراد معينين، وتوضع أسس نظريات أخرى من تخيل فرضيات لكيفية عمل وظيفة نفسية معينة، أو بعد القيام بتجارب معينة تؤدي لنتيجة مثيرة.

لكن لا بد أن تشترك النظريات في النهاية بكونها يتم إختبارها بطرق مختلفة ولفترات ممتدة بإحدى الطرق الآتية:

  1. صياغة فرضيات أخرى منها،
  2. البحث التجريبي،
  3. الدراسات المُلاحِظة،
  4. الدراسات الطويلة،
  5. دراسة حالات مفردة،
  6. الإستبيانات،
  7. التحليل التجميعي (meta-analysis)،
  8. التكرار (replication) مع أفراد مختلفين، وفي بيئات مختلفة.

يتم إثبات النظريات العلمية بعد إختبارها بشكل مكثف ولفترة زمنية ليست بالقصيرة، وبعد إستبعاد كل الفرضيات المحتملة البديلة للفرضية التي كوّنت نظريتنا. التالي تلخيص لشروط قبول النظرية العلمية في علم النفس:

  • القابلية للاختبار (Testability): يجب أن تكون النظرية قابلة للاختبار بواسطة البحث العلمي؛ بمعنى أنه يجب أن يكون من الممكن تصميم تجارب أو دراسات للتحقق من صحة الفرضيات التي تقدمها النظرية.
  • الأدلة التجريبية (Empirical Evidence): يجب أن تكون النظرية مدعومة بأدلة تجريبية قوية. هذا يعني أن نتائج الأبحاث التي تجرى لاختبار النظرية يجب أن تدعم الفرضيات التي إقترحتها  النظرية.
  • القابلية للتكرار (Replicability): ينبغي أن تكون النتائج التي تدعم النظرية قابلة للتكرار من قبل باحثين آخرين في ظروف مشابهة. إذا تم تكرار الدراسات تحت نفس الظروف وحصلت على نفس النتائج، فإن هذا يعزز من قبول النظرية.
  • المرونة النظرية (Theoretical Flexibility): يجب أن تكون النظرية مرنة بما يكفي لتتكيف مع البيانات الجديدة أو الحالات التي قد لا تتشابه تماماً مع الفرضية الأصلية. في علم النفس، قد تعني المرونة تعديل النظرية لتضمين ظواهر أو مفاهيم جديدة دون فقدان فكرتها الأساسية.  
  • القدرة على التنبؤ (Predictive Power): يجب أن تكون النظرية قادرة على التنبؤ بالسلوكيات أو الظواهر المستقبلية بناءً على الشروط الموضوعة للنظرية. قوة التنبؤ تعزز من قيمة النظرية في تطبيقات علم النفس المختلفة.
  • القابلية للتطبيق (Applicability): يجب أن تكون النظرية قابلة للتطبيق في مواقف حقيقية، سواء في الإرشاد النفسي أو في العلاج أو في تفسير سلوكيات الأفراد. النظريات التي تساهم في حل المشكلات النفسية الواقعية تكون بشكل عام أكثر قبولاً.
  • القابلية للدحض (Falsifiability) هي شرط أساسي لقبول النظرية العلمية، بما في ذلك نظريات علم النفس.
    هذا المفهوم، الذي قدمه الفيلسوف كارل بوبر، يشير إلى أن أي نظرية يجب أن تكون قابلة للدحض بواسطة الأدلة التجريبية. بمعنى آخر، يجب أن يكون من الممكن تصوّر تجربة أو ملاحظة يمكن أن تثبت أن النظرية خاطئة إذا كانت غير صحيحة.
    قد يبدو هذا المفهوم غريباً بعض الشيء، هو لا يعني أن النظرية يجب أن تكون خاطئة بالطبع… إذ ان الهدف منه ببساطة التأكد من أن النظرية تم بنائها بأمانة، وأنها يمكن أن يُثبت خطأها لو حصل في المستقبل أن ثَبتَ كونها غير صحيحة.
    يجادل بعض العلماء في أن نظرية فرويد في التحليل النفسي لا تحقق هذا الشرط؛ ستجد تفصيلاً في ذلك في مقالنا عن التحليل النفسي.
  • المنفعة العملية (Practical Utility): يجب أن تكون النظرية قادرة على تقديم تطبيقات عملية تساهم في فهم السلوك البشري وتحسينه، وكذلك تطوير أساليب العلاج النفسي. النظرية التي تفتقر إلى تطبيقات عملية قد تكون أقل أهمية في مجال علم النفس.
  • الشمولية (Comprehensiveness): النظرية يجب أن تكون شاملة بمعنى أنها تُفسّر مجموعة واسعة من الظواهر النفسية بطريقة متماسكة ومنظمة. النظرية التي تقتصر على تفسير ظواهر محددة فقط قد تكون أقل قبولاً من نظرية تقدم تفسيراً أوسع.
  • الاقتصاد النظري (Theoretical Parsimony): تُفضل النظرية التي تُفسر الظواهر النفسية بأقل عدد من الافتراضات. النظرية المباشرة وذات الإحتمالات واللإفتراضات القليلة تكون عادةً أسهل في الاختبار والتطبيق.
  • التطور عبر الزمن (Evolvability): النظرية التي يمكن تعديلها وتطويرها مع ظهور أدلة جديدة تُعتبر أكثر مرونة وأكثر قبولاً في الأوساط العلمية.
  • القيمة التفسيرية (Explanatory Power): قدرة النظرية على تقديم تفسيرات واضحة ومقنعة للظواهر النفسية تُعتبر عاملاً أساسياً في قبولها.

عند النظر في جميع هذه العوامل مجتمعة، يمكن تقييم ما إذا كانت نظرية معينة في علم النفس مقبولة علمياً أم لا.

الآن بعد معرفة كيف نختبر كل هذه النظريات الكثيرة في علم النفس، لعلنا نتسائل، هل يوجد نظريات مثبتة بشكل قاطع؟ بمعنى آخر:

هناك العديد من الأفكار في علم النفس التي إنتقلت من كونها مجرد نظريات، إلى حقائق مثبتة ومدعومة بعدد كبير من الأدلة، إليك جميعها، مع توضيح كل واحدة:

الحقائق العلمية في علم النفس:

  1. وجود التحيزات الإدراكية (Cognitive Biases):التحيزات الإدراكية هي أنماط منظمة من الانحراف عن العقلانية في الحكم واتخاذ القرار. قدمت أبحاث علماء النفس مثل دانييل كانيمان (Daniel Kahneman) وأموس تفيرسكي (Amos Tversky) أدلة قوية على وجود تحيزات مثل تحيز التوافر (availability heuristic)، وتحيز التأكيد (confirmation bias)، وتأثير التثبيت (anchoring effect). تُعتبر هذه التحيزات حقائق مثبتة في علم النفس الإدراكي (Cognitive Psychology).
  2. فاعلية العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy – CBT): العلاج السلوكي المعرفي هو نهج علاجي قائم على الأدلة وقد تم بحثه على نطاق واسع وثبتت فعاليته في علاج مجموعة متنوعة من اضطرابات الصحة النفسية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). أكدت العديد من التجارب العشوائية المتحكم بها (Randomized Controlled Trials) والتحليلات النتائج الشاملة (Meta-Analyses) فعالية العلاج السلوكي المعرفي، مما جعله حقيقة في مجال علم النفس السريري (Clinical Psychology).
  3. تأثير التعلق المبكر على النمو (Attachment Theory): نظرية التعلق التي طورها جون بولبي (John Bowlby)، ودعمتها تجارب ماري إينسوورث، تصف العلاقة بين الرضع والوالدين، تم دعمها بواسطة أبحاث واسعة. أظهرت الدراسات بشكل متكرر أن التعلق الآمن في الطفولة المبكرة مرتبط بنتائج تنموية إيجابية، مثل التنظيم العاطفي الأفضل والكفاءة الاجتماعية. يُعتبر هذا الاكتشاف حقيقة في علم النفس التنموي (Developmental Psychology).
  4. حقيقة إعادة بناء الذاكرة (Memory Reconstruction):أظهرت أبحاث إليزابيث لوفتوس (Elizabeth Loftus) وغيرهم أن الذاكرة البشرية ليست تسجيلًا مثاليًا للأحداث الماضية، إذ أنها في الواقع عملية إعادة بناء (Reconstructive Process). يمكن أن تتأثر الذكريات بعوامل مختلفة، كالمعلومات الخاطئة وأحيانا التخيل والإدخال، مما يؤدي إلى تشوهات أو ذكريات خاطئة. يُعتبر الطابع المعاد بناؤه للذاكرة حقيقة مثبتة في علم النفس الإدراكي (Cognitive Psychology).
  5. التكييف الكلاسيكي (Classical Conditioning):التكييف الكلاسيكي هو نوع من التعلم حيث يصبح المحفز الذي كان في السابق محايداً مرتبطاً بمحفز له معنى، مما يؤدي في النهاية إلى استجابة مماثلة. اكتشف إيفان بافلوف (Ivan Pavlov) هذا المبدأ لأول مرة من خلال تجاربه مع الكلاب، حيث وجد أن صوت الجرس (محفز محايد) يمكن أن يسبب في النهاية اللعاب (استجابة) عندما يقترن بالطعام (محفز له معنى).
  6. التكييف الإجرائي (Operant Conditioning): يشير التكييف الإجرائي، وهو مفهوم طوره سكينر (B.F. Skinner)، إلى العملية التي يتم من خلالها تقوية السلوكيات أو إضعافها بناءً على العواقب التي تليها. حيث ان التعزيز الإيجابي (Positive Reinforcement) يعزز السلوك من خلال تقديم مكافأة، بينما يقلل العقاب من احتمالية تكرار السلوك.
  7. التنافر المعرفي (Cognitive Dissonance): التنافر المعرفي هو عدم الراحة العقلية التي يشعر بها الشخص عند تبني معتقدات أو قيم أو مواقف متناقضة. يكون الناس مدفوعين لتقليل هذا الشعور من عدم الراحة عن طريق تغيير معتقداتهم أو سلوكياتهم. قدم ليون فيستينغر (Leon Festinger) هذا المفهوم لأول مرة في عام 1957.
  8. خطأ الإسناد الأساسي (Fundamental Attribution Error): يشير خطأ الإسناد الأساسي إلى الميل إلى المبالغة في تقدير دور الخصائص الشخصية،ش والتقليل من أهمية العوامل الظرفية عند تفسير سلوك الآخرين. يُعتبر هذا التحيز ظاهرة موثقة جيداً في علم النفس الاجتماعي (Social Psychology).
  9. تأثير المارة (Bystander Effect): يحدث تأثير المارة عندما يُثني وجود أشخاص الآخرين الفرد عن التدخل في حالة طارئة. تشير الأبحاث إلى أن احتمالية المساعدة تقل مع زيادة عدد المارة.
  10. تآكل الذاكرة (Memory Decay): الفقدان التدريجي للذاكرة مع مرور الوقت عندما لا تتم محاولة استرجاعها وإستذكارها أو تعزيزها بشكل نشط. يدعم هذا المفهوم أبحاث هيرمان إبينغهاوس (Hermann Ebbinghaus) حول منحنى النسيان (Forgetting Curve)، والذي يوضح كيف يتم فقدان المعلومات بمرور الوقت إن لم تحدث محاولةُ استرجاعٍ نشط.
  11. سمات الشخصية الخمس الكبرى (Big Five Personality Traits): تعتبر سمات الشخصية الخمس الكبرى – الانفتاح (Openness)، والضمير (Conscientiousness)، والانبساط (Extraversion)، والقبول (Agreeableness)، والعصابية (Neuroticism) – النموذج الأكثر شمولاً لوصف الشخصية البشرية. وقد تم العثور على هذه السمات بشكل متكرر عبر الثقافات وهي مستقرة وثابتة مع تقدم العمر.
  12. تأثير الدواء الوهمي (Placebo Effect): هو ظاهرة يشعر فيها المرضى بتغيرات حقيقية في صحتهم بعد تلقي علاج ليس له قيمة علاجية، فقط لأنهم يعتقدون أنه فعال. تم توثيق هذا التأثير في العديد من الدراسات الطبية والنفسية الحديثة.
  13. تسهيل الأداء الاجتماعي (Social Facilitation): يشير تسهيل الأداء الاجتماعي إلى تحسن أداء الأفراد في المهام البسيطة أو المتكررة عندما يكون هناك أشخاص آخرين، بينما قد يواجه الفرد صعوبة في أداء المهام المعقدة أو الجديدة. تم توثيق هذا التأثير لأول مرة من قبل نورمان تريبلت (Norman Triplett) في عام 1898.
  14. الخلايا العصبية المرآتية والتعاطف (Mirror Neurons and Empathy): الخلايا العصبية المرآتية هي نوع من الخلايا العصبية التي تستجيب بشكل مشابه عندما يقوم الفرد بأداء عمل معين أو يلاحظ شخصًا آخر يقوم بنفس العمل. يُعتقد أن هذه الخلايا تلعب دورًا حاسمًا في التعاطف وفهم مشاعر الآخرين.
  15. الانتباه الانتقائي (Selective Attention): الانتباه الانتقائي هو القدرة على التركيز على حدث معين واحد مع تجاهل كل ما يحدث حولنا. يُعتبر اختبار حفل الكوكتيل (Cocktail Party Effect) مثالًا كلاسيكيًا، حيث يمكن للشخص التركيز على محادثة واحدة في بيئة مليئة بالمحفزات.
  16. الذاكرة العاملة (Working Memory): هي النظام المسؤول عن الاحتفاظ بالمعلومات ومعالجتها في الوقت الفعلي لأداء المهام المعرفية مثل التفكير والفهم وحل المشكلات.
  17. الإحساس بالتوجيه الذاتي (Sense of Agency):الإحساس بالتوجيه الذاتي أو الإحساس بالوكالة (Sense of Agency) هو الاعتقاد بأن الشخص يتحكم في أفعاله ونتائجها. يتم بحث هذه الظاهرة على نطاق واسع في سياقات مختلفة مثل إدراك الذات والمسؤولية الأخلاقية.
  18. التحيز السلبي (Negativity Bias):يشير التحيز السلبي إلى الميل إلى إعطاء وزن أكبر للتجارب السلبية أو التهديدات المحتملة مقارنة بالتجارب الإيجابية. أظهرت الأبحاث أن الأحداث السلبية تثير استجابات عصبية أقوى، مما يجعلها أكثر تأثيرًا على الإدراك واتخاذ القرار.
  • نظرية التحليل النفسي لفرويد ([Freud’s Psychoanalytic Theory]):
    بينما أثرت أفكار فرويد حول العقل اللاواعي ([unconscious mind])، وآليات الدفاع ([defense mechanisms])، وعقدة أوديب ([Oedipus complex]) بشكل كبير في علم النفس والثقافة، يفتقر الكثير من نظريته إلى الدعم التجريبي. كما أن العديد من جوانب التحليل النفسي يصعب اختبارها علميًا (بالتحديد كونها غير قابلة للدحض (Unfalsifiable))، مما يجعل هذه النظرية إطارًا نظريًا أكثر من كونه علميًا.
  • هرم ماسلو للاحتياجات ([Maslow’s Hierarchy of Needs]):
    تفترض نظرية ماسلو أن الدافع البشري يمكن وصفه بواسطة هرم من الاحتياجات، يتدرج من الاحتياجات الفسيولوجية الأساسية إلى تحقيق الذات. ورغم أنها مقبولة على نطاق واسع في السياقات التعليمية والتنظيمية، إلا أن الهرم قد تعرض للانتقاد بسبب افتقاره إلى التحقق التجريبي، وخصوصًا ترتيبه الصارم للاحتياجات.

هناك العديد من الأفكار والنظريات القديمة في علم النفس التي لم تقدم تفسيراً كافياً للعقل البشري والتفكير، وبالتالي تم رفضها، إليك اهمها، مع سبب الرفض لكل واحدة:

  • علم فراسة الدماغ (Phrenology):
    كان علم فراسة الدماغ هو الاعتقاد بأن شكل الجمجمة والنُتوءات الموجودة عليها يمكن أن تحدد سمات شخصية الإنسان وقدراته العقلية. كان هذا العلم شائعًا في القرن التاسع عشر، ولكن تم دحضه في نهاية المطاف لأنه كان قائمًا على علم زائف ويفتقر إلى الدعم التجريبي.
    سبب الرفض: أظهر علم الأعصاب الحديث أن الشخصية والقدرات المعرفية ليست مرتبطة بشكل الجمجمة، بل ترتبط ببنية الدماغ ووظيفته.
  • بعض أفكار نظرية التحليل النفسي لفرويد:
    نظرية التحليل النفسي لسيغموند فرويد، وخصوصًا مفاهيم مثل عقدة أوديب (Oedipus complex)، وحسد القضيب ([penis envy])، وفكرة أن معظم المشاكل النفسية تنبع من الرغبات الجنسية المكبوتة، كان لها تأثير كبير لكنها تُعتبر الآن قديمة وخيالية من نواحٍ عديدة.
    سبب الرفض: بينما بقي قسم من جوانب التحليل النفسي مؤثراً (مثل العقل اللاواعي (unconscious mind))، فإن الكثير من نظريته يفتقر إلى الدعم التجريبي، وطرقه مثل تفسير الأحلام ([dream interpretation]) ليست علمية بما يكفي.
  • نظرية علم الإنسان الجنائي للومبروزو (Lombroso’s Theory of Criminal Anthropology):
    اقترح سيزار لومبروزو أن السلوك الإجرامي موروث، وأنه يمكن التعرف على المجرمين من خلال ميزات جسدية مثل الجبهة المائلة أو الأذنين الكبيرتين، والتي أسماها “السمات البدائية” باللاتينية: (atavistic stigmata).
    سبب الرفض: تم دحض نظرية لومبروزو، ليس فقط بسبب افتقارها للأدلة العلمية ونظرتها الحتمية لسلوك الإنسان، التي تجاهلت العوامل البيئية والاجتماعية، وإنما باللإضافة إلى ذلك قيامها من دون منطق على أسس عنصرية مثلها مثل علم الفراسة.
  • نظرية أنماط التعلم (Learning Styles Theory):
    تفترض نظرية أنماط التعلم أن الناس يتعلمون بشكل أفضل عند تعليمهم بطريقة تتوافق مع “نمط تعلمهم” المفترض (مثل النمط البصري، السمعي، الحركي). كانت، وربما لا تزال هذه الفكرة شائعة جدًا في التعليم.
    سبب الرفض: فشل البحث المكثف في العثور على دليل يثبت أن مطابقة أساليب التدريس مع أنماط التعلم تحسن من نتائج التعلم.
  • نظرية الدماغ الثلاثي (The Triune Brain Theory):
    اقترح بول ماكلين هذه النظرية التي تشير إلى أن دماغ الإنسان يتكون من ثلاثة أجزاء: الدماغ الزاحفي (reptilian brain)، والدماغ الثديي القديم (الجهاز الحوفي limbic system)، والدماغ الثديي الجديد (القشرة المخية الحديثة neocortex)، وكل منها مسؤول عن جوانب مختلفة من السلوك.
    سبب الرفض: رغم أن الدماغ يحتوي على طبقات تطورية، فإن نظرية الدماغ الثلاثي تبسط تعقيد وظائف الدماغ وتفاعلاته. أظهر علم الأعصاب الحديث أن العمليات الإدراكية والعاطفية أكثر تكاملاً وإتصالاً عبر مناطق الدماغ المختلفة مما تقترحه هذه النظرية.

إن الانتقال من النظرية إلى الحقيقة في علم النفس ليس عملية بسيطة. يتطلب ذلك اتباع منهجيات بحثية صارمة، بما في ذلك التجارب الدقيقة، والدراسات الطولية، والتحليلات الشاملة (Meta-Analyses).
هذه الأساليب تُمكن علماء النفس من اختبار الفرضيات بشكل منهجي، واستبعاد التفسيرات البديلة، وتكرار النتائج عبر بيئات وسكان مختلفين، وبعد نجاح كل هذا الخطوات، حينئذٍ فقط يمكن أن تصبح النظرية حقيقة علمية.

على سبيل المثال، تطور العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy – CBT) كحقيقة في علم النفس السريري استغرق عقودًا من البحث، بدءًا من الدراسات المبكرة لآرون بيك على الاكتئاب. أجرى الباحثون العديد من التجارب العشوائية المضبوطة، التي تقارن بين العلاج السلوكي المعرفي وغيره من العلاجات النفسية.
بمرور الوقت، أصبح الاكتشاف المتسق بأن العلاج السلوكي المعرفي فعال عبر مختلف الحالات الصحية النفسية حقيقة مثبتة ودعامة أساسية في الممارسة المبنية على الأدلة.

وبالمثل، ظهر فهم التحيزات الإدراكية (Cognitive Biases) من عقود من الأبحاث التجريبية التي غالبًا ما تضمنت مهامًا مصممة بعناية تكشف عن أخطاء منهجية في الحكم. هذه الدراسات، التي أُجريت على نطاق واسع من الناس والبيئات الإجتماعية المختلفة، قدمت أدلة مقنعة على وجود التحيزات الإدراكية، مما أدى إلى الاعتراف بها كحقيقة علمية.

التمييز بين النظرية والحقيقة في علم النفس له تأثيرات كبيرة على الممارسة العملية. يعتمد الممارسون، مثل علماء النفس السريريين، والمعلمين، والمستشارين التنظيميين، على الممارسات المبنية على الأدلة لضمان أن تدخلاتهم فعالة ومبنية على الأدلة التجريبية. على سبيل المثال، قد يختار عالم النفس السريري استخدام العلاج السلوكي المعرفي بدلاً من أساليب علاجية أخرى بسبب فاعليته المثبتة جيدًا.

في الوقت نفسه، يعني الطابع الديناميكي للعلم النفسي أن على الممارسين أن يظلوا على اطلاع دائم بالأبحاث الجارية وأن يكونوا منفتحين على دمج الاكتشافات الجديدة في ممارساتهم. النظريات التي تعد اليوم نظرية تخمينية قد تصبح غدًا حقائق مثبتة بعد مزيد من البحث الإثبات.

بينما يعج علم النفس بالنظريات التي تقدم رؤى قيّمة حول السلوك البشري والعمليات العقلية، إلا انه يبقى مع ذلك مجالاً قائماً على الأدلة التجريبية.
بعض المبادئ النفسية تجاوزت حدود النظرية لتصبح حقائق مثبتة، مدعومة ببحث صارم وتكرار النتائج. إن الفهم الكامل التفاعل بين النظرية والحقيقة أمر ضروري لتطوير العلم النفسي وضمان أن تكون الممارسات مبنية على الأدلة. ومع استمرار تطور علم النفس، سيظل السعي للتحقق التجريبي حجر الزاوية في هذا التخصص، مما يساعد على التمييز بين النظريات التخمينية والحقائق الصلبة.

  • Morris, C. G. (2006). Psychology: An Introduction. 13th edition. Pearson Education.
  • Popper, K. (1963). Conjectures and Refutations: The Growth of Scientific Knowledge. Routledge.
  • Kuhn, T. S. (1962). The Structure of Scientific Revolutions. University of Chicago Press.
    • Pavlov, I. P. (1927). Conditioned Reflexes: An Investigation of the Physiological Activity of the Cerebral Cortex. Oxford University Press.
    • Skinner, B. F. (1938). The Behavior of Organisms: An Experimental Analysis. Appleton-Century.
    • Festinger, L. (1957). A Theory of Cognitive Dissonance. Stanford University Press.
    • Bowlby, J. (1969). Attachment and Loss: Vol. 1. Attachment. Basic Books.
    • Ross, L. (1977). The intuitive psychologist and his shortcomings: Distortions in the attribution process. Advances in Experimental Social Psychology, 10, 173-220.
    • Darley, J. M., & Latané, B. (1968). Bystander intervention in emergencies: Diffusion of responsibility. Journal of Personality and Social Psychology, 8(4p1), 377.
    • Ebbinghaus, H. (1885). Memory: A Contribution to Experimental Psychology. Teachers College, Columbia University.
    • Goldberg, L. R. (1990). An alternative “description of personality”: The Big-Five factor structure. Journal of Personality and Social Psychology, 59(6), 1216.
    • Beecher, H. K. (1955). The powerful placebo. Journal of the American Medical Association, 159(17), 1602-1606.
    • Triplett, N. (1898). The dynamogenic factors in pacemaking and competition. American Journal of Psychology, 9(4), 507-533.
    • Rizzolatti, G., & Craighero, L. (2004). The mirror-neuron system. Annual Review of Neuroscience, 27, 169-192.
    • Broadbent, D. E. (1958). Perception and Communication. Pergamon Press.
    • Lenneberg, E. H. (1967). Biological Foundations of Language. Wiley.
    • Premack, D., & Woodruff, G. (1978). Does the chimpanzee have a theory of mind? Behavioral and Brain Sciences, 1(4), 515-526.
    • Goleman, D. (1995). Emotional Intelligence: Why It Can Matter More Than IQ. Bantam Books.
    • Stroop, J. R. (1935). Studies of interference in serial verbal reactions. Journal of Experimental Psychology, 18(6), 643.
    • Latane, B., Williams, K., & Harkins, S. (1979). Many hands make light the work: The causes and consequences of social loafing. Journal of Personality and Social Psychology, 37(6), 822-832.
    • Wason, P. C. (1960). On the failure to eliminate hypotheses in a conceptual task. Quarterly Journal of Experimental Psychology, 12(3), 129-140.
    • Salovey, P., & Mayer, J. D. (1990). Emotional intelligence. Imagination, Cognition, and Personality, 9(3), 185-211.
    • Zajonc, R. B. (1968). Attitudinal effects of mere exposure. Journal of Personality and Social Psychology, 9(2p2), 1-27.
    • Piaget, J. (1926). The Language and Thought of the Child. Harcourt, Brace & Company.
    • Bandura, A., Ross, D., & Ross, S. A. (1961). Transmission of aggression through imitation of aggressive models. Journal of Abnormal and Social Psychology, 63(3), 575-582.
    • Fodor, J. D. (1990). Phrenology: A Study of Mind and Brain. Oxford University Press.
    • Crews, F. (1998). Unauthorized Freud: Doubters Confront a Legend. Viking.
    • Gibson, M. (2002). Born to Crime: Cesare Lombroso and the Origins of Biological Criminology. Praeger.
    • Pashler, H., McDaniel, M., Rohrer, D., & Bjork, R. (2008). Learning styles: Concepts and evidence. Psychological Science in the Public Interest, 9(3), 105-119.
    • Geary, D. C. (2017). Evolution of Human Brain: From Matter to Mind. American Psychological Association.

محمد قحطان

A medical student, and a scientific-content writer who writes mostly in Arabic, mainly about Psychology, Psychiatry, Philosophy, and the liberal arts
زر الذهاب إلى الأعلى