الصحة النفسية

الذكاء الاجتماعي والذكاء العاطفي في علم النفس

اهمية الذكاء الاجتماعي والعاطفي في تطوير العلاقات الشخصية والمهنية

مع تطور الذكاء الإصطناعي والتقدم التكنولوجي، أصبح من المهم إيجاد ما يجعلنا غير قابلين للإستبدال في سوق العمل، يتم ذلك بالتركيز على تطوير ما لا يمكن للآلات تعلمه وتقليده، هنا نعني بشكل رئيسي الوظائف والمهارات التي تعتمد على التواصل البشري.

هذا من الفوائد الثانوية لكونك ذكيا اجتماعياً، الأهم منها الفهم الأعمق والتواصل الأكثر فاعلية مع الآخرين وقدرة اكبر على وزن الكلام ومعرفة ما يجب ولا يجب قوله، من ناحية التأثير النفسي على الأقل.


هو القدرة على التكيف في السلوك (على مدى واسع يمتد من نبرة الصوت أو التلميحات إلى إعطاء نظرات ذات معنانٍ) في المواقف الإجتماعية المختلفة والذي ينتج من فهم لمشاعر الآخرين وطبيعة الموقف وتطبيق لمهارات اجتماعية معينة بحسب الموقف المعين. كذلك يتضمن فهم الديناميكيات الاجتماعية (Social dynamics)، وبناء العلاقات (سواء العملية منها أم العميقة الدائمة)، والتنقل في المواقف الاجتماعية ببراعة وبما هو مناسب.

وقد يذهب بعض الخبراء إلى إعتبار غياب مهارات الذكاء الإجتماعي نوع من أنواع الإعاقة!

هو القدرة على ملاحظة وفهم مشاعر الآخرين بالدرجة الأساس، ومشاعرنا أيضا. كذلك كيفية تنظيمها والتأثير عليها، وهذا يتطلب مزيجاً من قوة الملاحظة وبعض المهارات الإجتماعية كالوعي الذاتي (Self-awareness) والتعاطف (Empathy). تكمن أهمية الذكاء العاطفي في تحسينه للعلاقات الاجتماعية وحل النزاعات وجعل التواصل أفضل، وكذلك تقليل التوتر الذي قد ينتج من سوء الفهم وعدم الراحة في المواقف غير المعتادة عندنا، أو حتى  المعتادة، وهنا يصبح غياب ما نطلق عليه الذكاء العاطفي مشكلة تستوجب العمل على اصلاحها.

يركز الذكاء العاطفي على فهم مشاعر الآخرين، بينما يرتبط الذكاء الإجتماعي بالمهارات الإجتماعية وكيفية التصرف في المواقف الإجتماعية المختلفة مُطبقينَ هذه المهارات.
فالقيادة والتكيف والقدرة على مخاطبة نقاط الإختلاف جميعها مهارات أساسية نصف من يمتلكها بأنه ذكي إجتماعياً. بينما الذكاء العاطفي يهتم بكيف يشعر المقابل، وكذلك القدرة على توقع تأثير كلمات معينة على حالة الآخرين النفسية مثلاً، وبالتالي القدرة على إجراء التعديلات اللازمة لجعل هذا الأثر أكثر ميلاً للإيجابية.

*من المهم الإشارة أن الذكاء الإجتماعي والذكاء العاطفي مفاهيم مدروسة ولها جذور وأسس في بحوث ونظريات علم النفس، وليست مجرد “محتوى ثقافي شعبي” (Pop-culture material)، وهذا عكس ما قد نتوقعه؛ لكونهما شائعين نسبياً في الكلام المتداول على عكس ما يبدو لنا أنه أكثر علمية كالتحليل النفسي مثلاً.

  1. الإنفتاح والتواصل (Openness and Communication): تعني القدرة على التواصل بصراحة وانفتاح، وتبادل الأفكار والمشاعر من دون صعوبات أو قيود. وكذلك القدرة على سماع وجهات نظر الآخرين وحعل فهم ما يعبرون عنه هدفاً. 
  2. التعاطف والتفهم (Empathy and Understanding): القدرة على فهم الآخرين ومشاعرهم، وأسهل طريقة هي وضع نفسك في مكان الشخص الآخر وبذلك فهم ما يمر به من مشاعر وصعوبات أو حتى رغبات.
  3. التواصل غير اللفظي (Nonverbal Communication): “لغة الجسد” وتعابير الوجه وملاحظة التغير في نبرة الصوت ودلالات كل تفصيلة أخرى من التي لا تتطلب النطق بكلمات لكنها غنية بالمعلومات (Informative).
  4. إدارة العواطف (Emotional Management): التحكم بمشاعرنا الخاصة كالتوتر والغضب، وضبطها.
  5. التعامل مع النقد (Dealing with Criticism): التعامل مع النقد بشكل مفيد وعمليّ بدل الخضوع لتأثيره على مشاعرنا في بعض الأحيان، أو تجاهله (وبالتالي عدم الإستفادة منه) في أحيان أخرى.
  6. حل المشكلات والتفاوض(Problem Solving and Negotiation) : القدرة على التعامل مع الخلافات بهدوء ومنطقية، والتفاوض والبحث عن حلول ترضي جميع الأطراف مع المحافظة على علاقة ودية لا تتأثر بالتفاوض وإختلاف الآراء.
  7. الإدراك الاجتماعي:(Social Awareness)  فهم الديناميكيات الإجتماعية (Social dynamics) مما يساعد على توخي التصرفات المناسبة في مختلف المواقف الإجتماعية.
  8. أن تكون “Good under pressure”: التصرف بهدوء تحت الضغط خصوصاً المرتبط بقرب موعد معين، أو إحتمالية تخييب ظن أحدهم، والتعامل مع هكذا مواقف بخفّة.

*لعل القارئ يأخذ ما ورد في النقاط أعلاه على أنه، على الأقل، مجموعة مما يلاحظ على الأفراد الذين يقال عنهم أنهم أذكياء إجتماعياً. مع ذلك فهو لا يخلو من العلمية كما قد يتصور البعض، وكما يترنح في إحساسي للحظات متفرقة أثناء الكتابة؛ ذلك أن علم النفس يعتمد في كثير من نواحيه على الملاحظة لما هو فعلاً موجود عند الأفراد المختلفين.

بشكل إيجابي بالطبع؛ حيث أن التواصل الفعّال والفهم السريع لأفكار الآخرين والتعاطف وباقي إيجابيات الشخصية المتطورة إجتماعياً تحسن من علاقاتنا وتجعل تواصنا مع الآخرين أعمق وتزيد ما يمكننا فعله مع، وفهمه من الآخرين.

بناء علاقات مهنية وشخصية في بيئة العمل يعتبر من الأشياء السهلة لمن هم أذكياء إجتماعياً، من نتائج ذلك أنهم مؤهلون أكثر من غيرهم لشغل المناصب القيادية وربما التفوق فيها، الحصور على ترقيات أو زيادة دخلهم بالإقناع والقدرة على طلب ذلك.

وهنا نركز على مهارة الإقناع اللتي تكون في العادة السبب الأول في تفوق من هم أذكياء إجتماعياً في محيط العمل. يأتي بعدها كونهم أكثر إثارة للإعجاب ويملكون علاقات أوسع، وبالتالي فرص أكثر.

هذا بشكل عام، لكن البحوث الحديثة (تجد بعضها في المصادر) تثبت بشكل خاص كون الأذكياء إجتماعياً أكثر إنتاجية في عملهم، وأكثر رضا بوظائفهم.

إن كل ما تم وصفه من فوائد ومكونات للذكاء الإجتماعي يُمَكننا من أن نستنتج أن معرفة كيفية جعل تفاعلاتنا الإجتماعية (Social interactions) منظمة ومفهومة وقليلة الغموض يمكن أن يعود علينا بكمية رضا أكبر عن حياتنا الإجتماعية وقلق أقل. كذلك تقليل سوء التفاهم وما ينتج عنه من صراعات قد تدوم لفترات أطول لصعوبة التفاهم.

حين نصف طفلاً بكونه ذكياً اجتماعياً نعني انه استطاع أن يتعلم بسرعة من المحيطين به من بالغين أو حتى أقران (أطفال آخرين) كيف يفهم ويتصرف في تعامله مع الآخرين. لعله مرتبط بشكل مباشر بالذكاء (Fluid intelligence (IQ)) والشخصية وكذلك الإختلاط المبكر بالأطفال الآخرين.

هناك اختبارات يفترض أنها تقيس الأبعاد المختلفة للذكاء الإجتماعي مثل التعاطف ومهارات التواصل والإدراك الإجتماعي. لا يوجد إختبار معياري محدد (Standardized test) لقياس الذكاء الإجتماعي بشكل مباشر لتباين صوره وصعوبة وضع أسئلة تستهدف بدقة كبيرة هذه الأبعاد، وكذلك إعتمادها على ما يعتقده من يأخذ الإختبار عن نفسه، عكس ما هو شائع في إختبارات علم النفس الموثوقة؛ حيث أن من يأخذ الإختبار لا يعلم بالغالب ماذا سيقيس السؤال اللذي يجيب عنه بالضبط وبالتالي تقديم إجابات أكثر واقعية.

  • مقياس الذكاء الإجتماعي (Social Intelligence Scale (SIS))
  • قائمة المهارات الإجتماعية (Social Skill Inventory (SSI))
  • مقياس الكفاءة العاطفية والاجتماعي (Emotional and Social Competency Inventory (ESCI))
  • اختبار جورج واشنطن للذكاء الاجتماعي (George Washington Social Intelligence Test)
  • هيكل ذكاء غليفورد (Guilford’s Structure of Intellect).

عادة ما يكون الذكي إجتماعياً قادراً على:

  • ملاحظة عندما يكون شخص ما مستاءً أو غير مرتاح، ومحاول القيام بعل المساعدة (مجرد الملاحظة ليست بذكاء إجتماعي، ربما ذكاء عاطفي فقط، لكن الفعل هو الجزء المميّز).
  • حل الخلافات والجدالات بسهولة ونجاح بين الأصدقاء أو زملاء العمل
  • بناء علاقات دائمة (شخصية أو وظيفيّة) بسهولة
  • القدرة على التكيّف في التصرف بشكل متلائم مع تغير المكان والبيئة (مع ذلك، لابد من الإبتعاد عن الزيف والتظاهر) (!So there’s a thin line between being sharp and present, and being fake).


هذا ممكن بالعمل على إكتساب مهارات الذكاء الإجتماعي، وكذلك تطبيق سلوكيات ترتبط بكوننا حاضرين ذهنياً وهادفين للتعلم وتجنب الأخطاء التي تحصل في مرات سابقة. يعتبر البعض أن الذكاء الإجتماعي سمة فطرية يولد البعض بها، لكن التجربة تثبت إمكانية وسهولة التعلم لدى أغلب الناس.

لعل جزءاً كبيراً من الفرق بين ما يوصف أنه فطري وما يمكن تعلمه لاحقاً هو فقط في توقيت التعلم (سريع التعلم في السياقات الإجتماعية من الطفولة أم لاحقاً في المراهقة أو البلوغ) (وقد تلاحظ أن المقالة تركز على النوع الثاني وإمكانيته وكيفية بلوغه).

  1. الإستماع الجيد لما يقال وعدم تفويت أي منه مهما بدا بسيطاً (دائما ما يمكن الحصور على معلومات عن شخصية المقابل أو طبعه مما يقوله).
  2. تفهّم الآخرين ومعرفة كيف يشعرون في موقف معين والتصرف طبقاً لما يراعي هذا الشعور (ولتحقيق ذلك لا بد من: الخبرة والتعلم، أو أن تضع نفسك في مكان الآخر ومعرفة ما كنت ستشعر به وتقدير ذلك على أنه شعورهم الآن).
  3. تحليل المواقف والتفاعلات الإجتماعية (Social interactions) وتحديد الإيجابي والسلبي منها والتعلم منه وتطبيق ذلك مستقبلاً
  4. السعي للحصول على تعليقات وآراء الآخرين (الأصدقاء مثلاً) بخصوص تصرفاتك في البيئاء الإجتماعية
  5. السعي لتعلم وإكتساب المهارات الواردة أعلاه في ‘مهارات الذكاء الإجتماعي’.
  6. من الصعب أن يتم ما تم ذكره أعلاه من دون وضع نفسك في تلك المواقف بالأساس! (لا تعتمد على التفاعلات التي تحدث من ذاتها؛ كونها غير كافية) (هذا كما في تعلم أي شيء آخر: تحتاج الى كمية وجودة وتكرار).
  1. ان مصطلح الذكاء الاجتماعي يستخدم تحديداً لوصف من يمتلك الشيئن: فهم الآخرين، والتصرف طبقاً لهذا الفهم. لكن يمكن للكثير وربما القارئ أن يمتلك الأول وينقصه تدريب على تضمين ذلك الفهم في أفعاله.
  2. قد يبدو أن كل ذلك موجود عند أغلب الناس تقريباً مع تقدم العمر، لكن الواقع أنه التعلم الذي يتم خلال هذه السنوات (عادة بشكل سلبي (Passively)) هو تفسير ذلك، وبالتالي يمكن إكتسابه بسرعة أكبر في عمر أصغر بالتعلم الهادف.

المصادر:

  1. Karimi, L., Leggat, S. G., Bartram, T., Afshari, L., Sarkeshik, S., & Verulava, T. (2021). Emotional intelligence: predictor of employees’ wellbeing, quality of patient care, and psychological empowerment. BMC Psychology, 9(1), 93. https://doi.org/10.1186/s40359-021-00593-8
  2. García-Bullé, S. (2019, December 2). What is social intelligence and why it should be taught at schools. Observatory of Educational Innovation.
  3. Nuray Turan, Gülsün Özdemir Aydın, Aysel Özsaban, Hatice Kaya, Gayenur Aksel, Arzu Yılmaz, Elif Hasmaden & Yağmur Akkuş | Maria Cristina Gugliandolo (Reviewing editor) (2019) Intuition and emotional intelligence: A study in nursing students, Cogent Psychology, 6:1, DOI: 10.1080/23311908.2019.1633077
  4. Kihlstrom, J. F., & Cantor, N. (Year of publication unavailable). Social Intelligence. Chapter 28.
  5. Mulqueen, C. (2018). Social Intelligence: The Imperative for — and Science of — Achieving Social Intelligence.
  6. G. Daniel: “Emotional Intelligence: Why It Can Matter More Than IQ”.
  7. “Social Intelligence: The New Science of Human Relationships” by Daniel Goleman.

محمد قحطان

A medical student, and a scientific-content writer who writes mostly in Arabic, mainly about Psychology, Psychiatry, Philosophy, and the liberal arts
زر الذهاب إلى الأعلى