الشخصية وأنماطها في علم النفس

الشخصية الإنطوائية والإجتماعية والمنشأ النفسي لكل منهما

الإنطواء والإنبساط

الانطواء (Introversion) والانبساط (Extraversion) هما بُعدان أساسيان في شخصية الإنسان تم دراستهما بشكل واسع في علم النفس. هذه المصطلحات، التي اشتهرت لأول مرة بواسطة كارل يونغ في أوائل القرن العشرين، تصف من أين يستمد الأفراد طاقتهم: إما من داخل أنفسهم (الانطواء) أو من المصادر الخارجية، وخصوصاً التفاعلات الاجتماعية (الانبساط) (الشخصية الاجتماعية).

تحدد هذان الصفتان على خط معين، كل من نهايتيه تمثل واحدة منهما، ويقع معظم الناس في مكان ما بين الطرفين. فهم هذه الصفات يعد أمراً كبير الأهمية؛ لأنها تؤثر بشكل كبير على سلوكياتنا، تفضيلاتنا، وتفاعلاتنا مع العالم.

يهدف هذا المقال إلى تقديم فهم شامل للانطواء والانبساط، من خلال استعراض تعريفاتهما، خصائصهما، الأسس النفسية الكامنة وراءهما، المفاهيم الخاطئة الشائعة، والتطبيقات العملية.

الانطواء يشير إلى سمة شخصية يكون فيها الأفراد أكثر توجهاً نحو داخلهم. غالباً ما يجدون الطاقة والتجدد في الأنشطة الفردية، التفكير بشكل منفرد، وأحياناً التأمل. تشمل الخصائص الشائعة للانطوائيين:

  • تفضيل العزلة: عادةً ما يستمتع الانطوائيون بقضاء الوقت بمفردهم أو مع عدد قليل من الأصدقاء المقربين بدلاً من التجمعات الاجتماعية الكبيرة. هذا التفضيل ليس بسبب كرههم للناس، بل لكونهم أقل حاجة من الإجتماعيين للتحفيز الخارجي.
  • الحساسية للتحفيز: قد يشعر الانطوائيون بالإرهاق من التحفيز الخارجي المفرط ويفضلون البيئات الأكثر هدوءاً. يمكن أن تؤدي هذه الحساسية إلى زيادة الإنتباه للتفاصيل الدقيقة حولهم وفي الآخرين.
  • الحياة الداخلية الغنية: غالبًا ما يكون لديهم عالم داخلي قوي من الأفكار، الأحلام، والتأملات. يمكن أن يظهر ذلك في المساعي الإبداعية، مثل الكتابة، الفن، أو حل المشكلات المعقدة.

الانبساط: يتميز بالتركيز على البيئة الخارجية والإهتمام بالبيئات الإجتماعية. يستمد المنبسطون طاقتهم من التفاعلات الاجتماعية والأنشطة الخارجية. تشمل السمات الرئيسية للمنبسطين:

  • الاجتماعية: يستمتع المنبسطون بالتواجد مع الناس، الانخراط في المحادثات، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية. غالباً ما يسعون إلى المواقف الاجتماعية للشعور بالنشاط والإستقرار.
  • النشاط والحيوية: يميلون إلى أن يكونوا متحمسين، كثيري الكلام، وحازمين.
  • تفضيلهم للتحفيز الخارجي: يزدهر المنبسطون في البيئات الديناميكية والمحفزة وقد يبحثون عن تجارب جديدة وتحديات. يمكن أن يجعلهم ذلك مفيدين في الأدوار التي تتطلب التفكير السريع والتكيف.
  • التوجه نحو الفعل: غالباً ما يتصرفون بسرعة وحسم، مستمتعين بالأنشطة العفوية واتخاذ القرارات السريعة. يمكن أن تجعلهم هذه السمة قادة طبيعيين في البيئات النشطة.

إن الأسس النفسية الكامنة وراء الانطواء والانبساط متجذرة في كل من العوامل البيولوجية بشكل أساسي، والبيئية بدرجة أقل. تشير الأبحاث إلى أن هذه الصفات تتأثر بالصفات الجينية (Genetic predisposition) وكذلك التجارب الحياتية المبكرة.

الأساس البيولوجي: تظهر الدراسات أن الانطوائيين والإجتماعيين لديهم استجابات مختلفة للدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالمتعة والمكافأة.

يميل الإجتماعيون إلى امتلاك نظام دوبامين أكثر نشاطاً، مما يجعلهم أكثر استجابة للمكافآت الخارجية والتحفيز. يمكن أن تدفعهم هذه الحساسية المتزايدة للمكافأة إلى البحث عن التفاعلات الاجتماعية والتجارب الجديدة.

في المقابل، قد يمتلك الانطوائيون نظامًا عصبيًا ذاتيًا (Autonomic nervous system) أكثر حساسية، مما يدفعهم إلى البحث عن بيئات أقل تحفيزًا للحفاظ على التوازن وتجنب الإنهاك. يمكن أن تجعلهم هذه الحساسية أكثر انتباهاً للتغيرات الدقيقة في بيئتهم وأكثر إنغماساً في تفكيرهم.

التأثيرات البيئية: تلعب التجارب المبكرة والبيئات الاجتماعية المحيطة دورًا مهمًا في تشكيل هذه الصفات. على سبيل المثال، قد يطور الأطفال الذين يتم تشجيعهم على الاستكشاف والتفاعل الاجتماعي ميولًا أكثر انبساطية، بينما قد يميل أولئك الذين يجدون الراحة في اللعب الفردي نحو الانطواء.

يمكن أن تؤثر أنماط التربية، المعايير الثقافية، والتجارب الاجتماعية المبكرة على المكان الذي يقع فيه الفرد على طيف الانطواء والانبساط.
تظل العوامل البيولوجية المحدد الأكبر لهذه الصفات، مثلها مثل صفات الشخصية الأخرى.

هناك العديد من المفاهيم الخاطئة حول الانطواء والانبساط، من المفيد التفريق بينها:

  • الخجل مقابل الانطواء: الخجل هو الخوف من الحكم الاجتماعي، بينما الانطواء هو تفضيل البيئات الأقل تحفيزًا. ليس كل الانطوائيين خجولين، وليس كل الأشخاص الخجولين انطوائيين. يمكن أن يكون الخجل موجودًا في كل من الانطوائيين والمنبسطين، وغالبًا ما ينبع من القلق بشأن التفاعلات الاجتماعية بدلاً من تفضيل العزلة.
  • “الانطوائيون الاجتماعيون“: يمكن أن يكون بعض الانطوائيين اجتماعيين للغاية ويستمتعون بالتفاعلات الاجتماعية، لكنهم لا يزالون بحاجة إلى وقت بمفردهم لإعادة شحن طاقاتهم.
    يمكن أن تؤدي هذه السمة إلى سوء الفهم، حيث قد يظهر الانطوائيون الاجتماعيون بمظهر المنبسطين في المواقف الاجتماعية، لكنهم يحتاجون إلى فترة هدوء كبيرة بعدها.
  • الانبساط كأفضلية: غالبًا ما يقدر المجتمع الانبساط بشكل أكبر بسبب ارتباطه بالاجتماعية والحزم. ومع ذلك، لكل من الصفات نقاط قوتها وضعفها، ولا تعد أي منهما متفوقة على الأخرى.
    لكل من الصفتين مزايا فريدة، حتى أن من المفيد لكل الأفراد تعلم المهارات التي تميز السمة الأخرى، مثل تعلم التعود على العمل بمفردك لساعات بالنسبة للإجتماعيين، أو تطوير مهارات أجتماعية للإنطوائيين (يسميها البعض بالذكاء الإجتماعي).

فهم الانطواء والانبساط، وأي الصفتين تمتلك منهما،  له تطبيقات عملية في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك العمل، العلاقات، والرفاهية الشخصية.

في مكان العمل: يمكن أن يساعد التعرف على هذه الصفات في خلق بيئات عمل أكثر فاعلية. قد يتفوق الانطوائيون في الأدوار التي تتطلب التركيز العميق والعمل المستقل، وإنهاء شيء مهمة محددة بسرعة، بينما قد يزدهر المنبسطون في البيئات التعاونية والديناميكية. على سبيل المثال، قد ينجح الانطوائيون في البحث، الكتابة، أو الأدوار التقنية، بينما قد يتألق المنبسطون في المبيعات، الإدارة، المشتريات أو العلاقات العامة.

في العلاقات: يمكن أن يؤدي الوعي بهذه الصفات إلى تحسين التواصل والتفاهم بين الشركين. على سبيل المثال، قد يحتاج الشريك الانطوائي إلى وقت أكبر بمفرده ل”إعادة شحن طاقاته” كمل يقال، بينما قد يسعى الآخر المنبسط إلى المزيد من الأنشطة الاجتماعية. يمكن أن يمنع فهم هذه الاحتياجات سوء الفهم ويعزز الاحترام المتبادل. موازنة أحتياجات كل من الفردين هو الهدف الأهم من هذا الفهم.

الرفاهية الشخصية: يمكن أن يؤدي معرفة توجه الشخص نحو الانطواء أو الانبساط إلى توجيه الأفراد في اتخاذ خيارات حياتية تتماشى مع تفضيلاتهم الطبيعية، مما يؤدي إلى زيادة السعادة والرضا. قد يعطي الانطوائيون الأولوية للهوايات الهادئة، مثل القراءة أو المشي، بينما قد يبحث المنبسطون عن الأنشطة الجماعية، مثل الرياضات الجماعية أو الأحداث الإجتماعية.

  1. هل يمكن أن يصبح الإنطوائي إجتماعياً؟: في حين أن الصفات الأساسية للانطواء والانبساط  ثابتة ومستقرة نسبيًا، يمكن للناس تطوير سلوكيات تكون أكثر شيوعاً وتميزاً لدى الصفة الأخرى. على سبيل المثال، يمكن للانطوائي أن يتعلم أن يكون أكثر راحة في المواقف الاجتماعية، ويمكن للمنبسط أن يزرع القدرة على الاستمتاع بالعزلة. ومع ذلك، فإن هذه التعديلات لا تغير عادة التفضيل الأساسي لمصدري الطاقة، الإنفراد أو الإختلاط.
  2. هل هناك سمة أفضل من الأخرى؟: لا يعد الانطواء أو الانبساط أفضل بشكل جوهري. لكل سمة نقاط قوتها ويمكن أن تساهم في النجاح الشخصي والمهني بطرق مختلفة. المفتاح هو الفهم والاستفادة من الميول الطبيعية للشخص مع تقدير، والتعلم ممن لديهم صفة مغايرة.
  3. كيف يتعامل الانطوائيون والمنبسطون مع الإجهاد بشكل مختلف؟: قد يتعامل الانطوائيون مع الإجهاد بالانسحاب والبحث عن العزلة لمعالجة أفكارهم، بينما قد يبحث المنبسطون عن التفاعلات الاجتماعية والأنشطة للترويح عن أنفسهم. يمكن أن يساعد فهم هذه الاختلافات في تقديم الدعم المناسب للأصدقاء، العائلة، أو الزملاء بناءً على فهم هذه الأساليب.
  4. هل يمكن أن تؤثر هذه الصفات على اختيار الوظيفة؟ نعم، يمكن أن يوجه فهم ما إذا كان الشخص أكثر انطواءً أو انبساطًا اختيارات مهنية تتماشى مع تفضيلاته الطبيعية. على سبيل المثال، قد يفضل الانطوائيون المهن التي تنطوي على العمل المستقل، مثل الكتابة، البحث، أو البرمجة، بينما قد يزدهر المنبسطون في الأدوار التي تنطوي على تفاعل متكرر مع الآخرين، مثل التدريس والمبيعات.

*لابد من فهم أنك لست بالضبط واحداً من الأثنين، إنطوائياً أو أجتماعيأً، لكنك في الغالب تميل لأحدهما بشكل أكبر، فبالتالي يتم وصفك بأحد الصفتين تبعاً لهذا الميل.
لنفهم ذلك اكثر، تخيل مسطرة مدرجة مئة تدريجة، تقع صفة الإنبساط، لنقل، على الرقم صفر، وصفة الإنطواء على مئة.
أغلب الأفراد يقعون بين ثلاثين وسبعين. كل واحد يملك من الصفتين بمقدار ما، لكنه يميل أكثر لأحدها، وبالتالي تصفه إختبارات الشخصية بهذه الصفة.

الانطواء والانبساط صفات شخصية معقدة متعددة الجوانب تؤثر بشكل كبير على سلوك الإنسان وتفاعلاته. من خلال فهم الخصائص، الأسس النفسية، والتطبيقات العملية لهذه الصفات، يمكننا تقدير تنوع الشخصيات البشرية وخلق بيئات تدعم رفاهية كل من الانطوائيين والإجتماعيين.

من الضروري فهم طبيعة هذه الصفات والاعتراف بالقيمة التي يجلبها كل منهما. إن تشجيع البيئات التي يمكن فيها لكل من الأفراد الانطوائيين والمنبسطين أن يزدهروا سيؤدي إلى مجتمعات أكثر انسجامًا وإنتاجية.

  • Jung, C. G. (1921). Psychological Types. New York: Harcourt, Brace & Company. Psychological Types by Carl Jung
  • Cain, S. (2012). Quiet: The Power of Introverts in a World That Can’t Stop Talking. New York: Crown Publishing Group.
  • Eysenck, H. J. (1967). The Biological Basis of Personality. Springfield: Charles C Thomas Publisher.
  • Laney, M. O. (2002). The Introvert Advantage: How to Thrive in an Extrovert World. New York: Workman Publishing Company.

محمد قحطان

A medical student, and a scientific-content writer who writes mostly in Arabic, mainly about Psychology, Psychiatry, Philosophy, and the liberal arts
زر الذهاب إلى الأعلى