الفضول وما ينتج عنه من رغبة بتجربة الكحول
تحليل نفسي وإجتماعي لفكرة "تجربة" المشروبات الكحولية بدافع الفضول
لا بد قبل البدء في الموضوع من توضيح عنوان المقالة مزيداً من التوضيح.
بما أنك عزيزنا تقرأ مقالتنا هذه، فلا بد أنك تجيد العربية إلى حدٍ ما، وبالتالي لديك معرفة بثقافتنا العربية، وبالطبع فيك سمات منها، سواءٌ كنت منا أم لم تكن؛ فأحد أهم مكونات الثقافة اللغة، وبها ينطبع بعضُ خليطٍ من نمط حياة متحدثيها، وعالم أفكارهم.
وبما أن ديننا -أو دين أغلبنا، فلسنا ننسى تنوع المنطقة العربية الكبير من هذه الناحية- الإسلام يشكل على الأقل ثلث ما يكوّن ثقافتنا هذه، وأهم جزءٍ من تاريخ منطقتنا العربية، فلا بد أن نكون جميعاً، شئنا أم أبينا، نحمل على الأقل عدداً من قيمه.
واحد منها – بالطبع إضافة إلى إستقباح أكل لحم الخنزير مثلاً – كون شربِ ما يُسكِرُ حراماً.
إستعداد نفسي، وطبيعة بشرية
يتعلم الأطفال خلال فترة نموهم كيف تعمل الأشياء عن طريق التجربة (أو كما نسميها جميعاً: اللّعب).
يغذي هذه الظاهرة (الرغبة بتجربة كل شيء) كمية من الفضول تتسم بها فترة الطفولة. لكن هذا الفضول رغم كونه قوياً بشكل خاص في الصغر، إلّا أنه يستمر معنا مشكلة مزيةً للإنسان، ربما طول حياته، لكن بدرجات متباينة بين مختلف الأفراد، وبالطبع أقل مما في الأطفال.
هذا يخبرنا به علم النفس. راجع (مصدر: 1, 2, & 3).
لعلنا الآن نتفق، بعد معرفة كل ما سبق، ومع كل ما تعرفه، ومع كل ما أعرفه، أن هذا الفضول قد يدفع بعضنا إلى التساؤل: ما هو طعم الخمر الأحمر؟ كيف سأشعر بعد إحتسائه؟ لو أجربه مرة واحدة، فقط للتجربة.
كلنا نعرف صديقاً كهذا. لا؟ أليس لك أصدقاء؟ هاهاها.
الشعر الخمري عند العرب
لنعد لثقافتنا العربية، ألم يحصل أن تغنى كبار شعراء الجاهلية بالمسكرات في شعرهم؟ ألم يقل عمرو بن كلثوم في معلقته الشهيرة:
ألا هُبّي بصحنكِ فاصبحينا … ولا تُبقي خمور الأندرينا
مشعشعةً كأنَّ الحُصَّ فيها … إذا ما الماءُ خالطها سخينا
فشاعرنا هنا ليس فقط يطلب ان يسقى بخمرة الصباح، بل يؤكد أن تكون بالذات من تلك التي تُخمّر في أندرين التي تشتهر بكرومها الكثيرة وخمورها المميزة، والأندرين كانت قرية جنوبي حلب، مسافة نحو ثمانين كيلومتر على حدود البادية السورية.
تحدثنا عن الفضول كدافع، وبالطبع هناك غيره، كالذي يشرب الكحول لينسى الألم بأنواعه، وهذا ليس موضوعنا.
بل التجربة بدافع الفضول، هذا ما سنتعمق فيه اليوم.
بعبارة أخرى، مقالتنا اليوم عن الفضول، وما ينتج عنه من رغبة بتجربة شرب الكحول. هكذا موزونة، على طريقة عناوين الكتب العربية القديمة.
دعنا أولاً نناقش بإختصار:
لماذا يجب ألّا أشرب الكحول؟
إليك أكثر الأسباب شيوعاً عندنا، وكلٌ منها مقنعٌ من ناحيته وبطريقته:
- تحريمه في الإسلام، وبعض الطوائف من ديانات أخرى
- ضرر الكحول المباشر على الكبد (تشمع وتليف الكبد)، وغير المباشر على الجهاز العصبي
- إذهابُه لعقلك وقدرتك على التفكير بمنطقية لبعض الوقت، ولعل عقلك أهم ما يميزك على باقي الحيوانات التي تشاركنا كوكبنا هذا
- خطر الإدمان
- سوء المزاج وسرعة التهيج بعد فترة من إستهلاكه
- آثار الشرب في صباح اليوم التالي من وجع رأس وقلة تركيز وجفاف الفم وألم العضلات (in English they call it: hangover).
- تَبِعاتٌ قانونية أحياناً
- دافع غريب ومفاجئ لفعل ما لم تكن لتفعله، أو قول ما لم تكن لتقوله، لو لم تكن في حالة سكر.. وبالتالي:
- إحتمالية الندم لاحقاً.
لكن دعنا مع ذلك نخبرك
كيف ستشعر عند شرب الكحول لأول مرة؟
- شعور بالدفئ (تأتي في الذهن صورة الجنود الروس في البرد، في الحرب الألمانية – الروسية، محمري الوجوه وهم يشربون الفودكا).
- إحساس بالثقة الزائدة بالنفس والتفكير بفعل أشياء جديدة وقول النكت، الأسرار، أو الرغبة بالغناء.
- شعور من النشوة والراحة يستمر لعدة دقائق، وربما يتجاوز الساعة.
- إحمرار الوجه؛ بسبب توسع الأوعية الدموية.
- الدوار والغثيان لو كانت الكمية كبيرة أو المعدة فارغة، أو كنت من النوع الذي لا يتحمل، خصوصاً أنها أول مرة.
- قد تشعر بمشاعر غريبة كالحزن المفاجئ أو الفرح، يصبح الشخص عادة أكثر عاطفية أو اكثر عدوانية. تتباين هذه المشاعر بين الأشخاص.
هَرم المخدرات، وأين يقع الكحول فيه
لننظر للموضوع من ناحية أخرى.
الآتي طيف أو مدى (Spectrum) يتراوح من الأقل إلى الأكثر قوة، من أفعال أو مواد تسبب إنتشاءً مشابهاً للذي يسببه الكحول. فنلاحظ السبب الأعمق لكون أن ما نحن بصدده بطبيعة الحال يتطلب كل هذه الجدية الزائدة والكلام الكثير، ليس فقط الثقافة والأسباب البسيطة التي ذكرناها، بل بسبب موقعه الإجتماعي بين رفاقه وما على شاكلته من الممارسات، لكن على نحوٍ معتدل التأثير نسبياً بالنسبة للكحول!
- تدخين السجائر
- العلاقة الجنسية (Intercourse)
- تناول الكحول
- تناول الحشيش أو الماريجوانا
- المقامرة
- إستخدام المخدرات المهلوسة أو الفطر السحري أو LSD.
- الأمفيتامينان (الميثامفيتامين)
- إستخدام الكوكايين
- إستخدام الهيروين أو المواد الأفيونية، والمورفين.
إقتراح مفصّل لتجربة بديلة
لا يسعنا الآن إلّا أن نطرح الحلَّ المبين، لمشكلة المحتارين والسائلين..
ليس بالمبين، أعرف، لكن سيصبح كذلك بعد عدة سطور.
هرمنا الذي أوردناه قبل قليل ناقص، فهناك ممارسات إدخرناها تقع بين 1و2، وفيها يكمن ثُلُثُ حلنا المزعوم، وثُلثانِ آخران في الخلطة السرية بين هذه الممارسات. وكما تعرف أن لعب القمار لا بد أن يرافقه الويسكي، والخلط بين هذين الإثنين هو -في هذه اللعبة- سر الوصول إلى قمة الإنتشاء، وخسارة منزلك.
ليس كافياً أن تعرف أن تناول الشوكولاتة، شرب المنبهات من الشاي والقهوة، تناول أطعمتك المفضلة، أو عند البعض ممارسة الرياضة الشديدة (Strenuous exercise) هي ما يمكن تضمينه في هرم الممارسات المحفزة لللذة، بل معرفة كيف تدمج بينها وتضيف لها لتحصل على جو الطرب الذي تبتغيه.
الآتية وصفةُ تصرفات تخلق جواً من الإنتشاء، مرتبة من الأقل إلى الأعلى من حيث قوة التأثير. وما كُتب بين قوسين هي أمثلة يمكنك أخذ الأفكار منها وتطبيقها بما لديك، وبالشكل الذي يناسبك:
- شرب الشاي بمفرده.
- الإنغماس في العمل او الدراسة.
- التعمق في البحث في موضوعٍ يهمك، لكن دون التشعب السريع الذي يؤدي لنتائج عكسية.
- شرب الشاي مع لوح شوكولاتة يحتي نسبة عالية من الكاكاو. (87% cocoa وأعلى).
- شرب القهوة بمفردها.
- كوب قهوة مع قراءة ما تحب من كتب الأدب. (كوب قهوة + المجلد الرابع من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. أو Songs of Innocence And of Experience لويليام بليك لمن يفضل الأدب الإنجليزي). (أو مشاهدة فيلم غزير العناصر الفنية والمؤثرات الحسية والعمق النفسي).
- شرب القهوة مع لوح شوكولاتة داكنة، مع كتاب تختاره.
- قهوة أثناء الإستماع لأغنية معتدلة الإيقاع.
- قهوة مع أغنية مفضلة عندك.
- قهوة + لوح شوكولاتة داكنة + أغنيةٌ راقصةُ الإيقاع.
وما شابه ذلك وتفرّعَ منه.
الآن تلاحظ بوضوح أن السلاح السري الذي لم يعد سرياً هو القهوة (راجع مقالتنا عن الكافيين والحالة الإبداعية المرتبطة بإستهلاكه). لكن قد يغيب عنك إلى الآن كيف تعمل بالضبط كل واحدة من هذه الممارسات. بإختصار، تعتمد الفكرة على الطرق المختلفة لتحفيز زيادة في إفراز النواقل العصبية الآتية:
الدوبامين، السيروتونين، النورأدرينالين، وغيرها.
يضاف لها التأثير المنشط للجهاز العصبي في الشاي والقهوة، والجو الذي ينقلك له تصفح الكتاب أو سماع الموسيقى.
قد يكون تأثير الرياضة أو التأمل أوالغطس في الماء البارد مساوياً أو أكثر شدة عند البعض، وهو يعتمد على الإندورفين بشكل أساسي، والدوبامين بدرجة أقل منه.
لماذا قد لا تنجح الفكرة معلك؟
أو لماذا لم تشعر بكل هذا مسبقاً رغم تجربتك لنصف هذه الممارسات من قبل؟
…Because you’re jumping to conclusions without reading the whole article
لذلك تأكد من تنفيذ التفاصيل الآتية بدقة:
- القهوة سوداء؛ لا حليب، لا سكر.
- الإعتياد على طعم القهوة المر والإستمتاع بطعمه.
- الشاي كذلك، لكن يمكنك إستخدام الستيفيا أو محليات طبيعية أخرى، لكن ليس السكر.
- يفضل إستخدام الشاي السيلاني، ويفضل كون القهوة محضرة من البن. لكن يمكن أن تفي قهوة سريعة التحضير (Instant) بالغرض، بنتائج أقل كثيراً حسب تجربتي.
- أن لا تكون مدمنا على القهوة. خذ فترة أسبوعين بدون تناول أي قدر من الكافيين. ثم أبدأ بهذه الممارسات، لكن ثلاث مرات في الأسبوع فقط. مقاومة الكافيين (Caffeine resistance) عند مدمني القهوة وعند من لا يمر يوم دون إستهلاكه للكافيين ستبطل مفعول الفكرة كلها.
- حافظ على عاداة نوم ثابتة، ونم على الأقل 6 ساعات متواصلة في الليل في الأيام الثلاثة الأخيرة قبل تجربة أي من هذه البروتوكولات.
- في الأسبوع الأخير قبل التجربة، حافظ على كمية معقولة من الحركة والرياضة، وتأكد من كونك لا تعاني نقصاً في الفيتامينات أو الأحماض الأمينية الأساسية. يحتاج أكثرنا إلى أخذ فيتامين D وأوميغا 6 كحبوب مكملة.
- نظام غذائي صحي ومتوازن في الأسبوع الأخير قبل التجربة.
- الأغنية التي تختارها تكون من نوع يصفها البعض أحياناً بأنها “تأخذك لجوٍ آخر”.
ملخص وأهداف
إنَّ الغرض الفعلي من هذه المقالة هو ما يسمى بالعصف الذهني (Brainstorming) حول موضوع شرب الويسكي هذا كنقطة إنطلاق، والتفرع منه بعد مناقشة فكرة الفضول والمنشأ النفسي، إلى أفكار أخرى عن سلوكيات ملذّاتية مشابهة (Hedonistic behaviors). وختمناها بالجزء الأهم وهو وصف لطرق الوصول إلى تجربة إبداعية حسيّة متكاملة (Integrative Creative -Sensory Experience).
كما لا أخفيكم علماً أني ضقت ذرعاً، ومتّ مللاً، من الكتابة في الموضوعات الأساسية في علم النفس، فكانت هذه جزئياً لغرض التغيير. والآن هاتِ نخبك.
!Cheers
المصادر (تحقيق):
- “The Child’s Conception of the World” (1929) by Jean Piaget
- “Talks to Teachers on Psychology: And to Students on Some of Life’s Ideals” (1899) by William James
- “Democracy and Education” (1916) by John Dewey
- McKim, W. A. (2002). Drugs and Behavior: An Introduction to Behavioral Pharmacology. Prentice Hall.