- مقدمة: فهم اللاواعي
- ما هو اللاواعي
- اللاوعي في الفلسفة وعند فرويد
- هل للثقافة أثر على العقل اللاواعي؟
- هل يتغير محتوى وميول العقل اللاواعي؟
- اللاوعي، هل هو خير أم شر؟
- كيف نعرف محتوى العقل اللاواعي؟
- أين في دماغنا يوجد اللاوعي؟
- هل يوجد دليل علمي على وجود اللاوعي؟
- هل يتسم اللاوعي باللاعقلانية؟
- ما الفرق بين اللاوعي (Unconscious) وما خلف (تحت) الوعي (Subconscious)؟
مقدمة: فهم اللاواعي
ليست فكرة أن الأفعال تسبق التفكير جديدة. إقترحت العديد من النظريات في علم النفس، بشكل ثانوي، ونظرية التحليل النفسي خصوصاً، أن العقل الواعي ليس مصدر تصرفاتنا، وأن التصرف بشكل لاواعي (Unconsciously) هو السائد في تكوين تصرفاتنا، وأن الوعي (Consciousness) ليس سوى مجرد أداة لتحليل وفهم ما حصل بعد حدوثه.
بالتأكيد قد يبدو للقارئ أن في هذه الفكرة مبالغة، وكذلك قول الكثير من العلماء خصوصاً في منتصف القرن العشرين، حيث فقدت نظرية التحليل النفسي ومن ضمنها فكرة اللاوعي كثيراً من الإهتمام الذي حضيت به عندما إقترحها سيكمويند فرويد لأول مرة، والذي عاد للإزدياد في نهاية التسعينيات؛ نتيجة التوصل لنفس نتائج فرويد في الدراسات التحليلية والتجريبية لنواح مختلفة في علم النفس وليس فقط التحليل النفسي.
ما هو اللاواعي
تعريف اللاواعي
تعتبر فكرة اللاواعي الحجر الأساس في بناء نظرية التحليل النفسي (Psychoanalysis) لعالم النفس الشهير فرويد. إقترح فرويد فيها أن هنالك أفكاراً لا نعيها تؤثر على تصرفاتنا وأقوالنا من غير أن ندرك. تُفهم ظاهرة العقل اللاواعي عادة على أنها أفكار مثبطة لأسباب إجتماعية أو نفسية مختلفة، وتخرج هذه الأفكار بين حين وآخر لتعبر عن نفسها.
لكن اللاوعي في الواقع يشمل جوانب أخرى أوسع من هذه. لا تشتمل فحسب على الذكريات البعيدة، بل تتعدى إلى كونها تتكون حتى من الإنطباعات والتوقعات، فمثلاً يُفسر البعض تعاملنا مع شخص نقابله لأول مرة ولا نعرف عنه أية معلومات مسبقة، وكن هذا التعامل متأثراً بمعلومات تعالج في اللاواعي فقط، دون أن نقرر أو نتدخل في أي منها بشكل واعٍ.
اللاوعي في الفلسفة وعند فرويد
إن موقف الفلاسفة من فرويد والتحليل النفسي متقلب كثيراً. كذلك كان موقف فرويد نفسه من الفلسفة في وقته!
على الرغم من الفاعلية التجريبية في توصل فرويد مع مرضاه (فقد كان طبيباً) إلى اللاوعي لديهم (وذلك بسؤالهم ومراقبة تصرفاتهم ودراستها، بالتنويم المغناطسي أحياناً، أو أثناء جلسات العلاج الروتينية)، لا يزال المفهوم مثيراً للإختلاف. يرجع عدم رضى الفلاسفة عن فكرة فرويد لكونها “غير قابلة للدحض” (Unfalsifiable)*، وهذا ما يجعلها غير مطابقة للمعايير العلمية لبناء النظريات.
*لأنخذ على سبيل المثال مريضة، نفرض إسمها بيرثا. تُراجع بيرثا فرويد في مكتبه لغرض العلاج النفسي. تحكي بيرثا لفرويد عن قيامها في اليوم السابق بفعل تلقائي غريب بدون وعي أو أنها قالت شيئاً لا تعنيه ولم تفكر في قوله من قبل. يرجع معها فرويد إلى ذكريات الطفولة، فيجد حدثاً مرتبطاً بعض الشي بما صدر منها، ومؤثراً على شخصيتها وتصرفاتها في مواقف أخرى. لدينا هنا إحتمالان لرد فعل بيرثا:
الأول أن تتفق معه وتسلّم بتأثير ذكرى الطفولة المذكورة على تصرفاتها في أحيان كثيرة ومتفرقة. هنا يثبت أن مصدر الأفعال والأفكار هو ذكريات الطفولة المثبطة أو المنسية.
الثاني أن بيرثا تُنكر وجود أي علاقة بين الذكرى وتصرفها، هنا يقول فرويد أن هذا بدوره دليل أشد على درجة تثبيط العقل الواعي لتلك الذكرى!
بذلك لا يمكن تفنيد إفتراض فرويد بأي طريقة، وهذا هو معنى ما أسماه بعض الدارسين والباحثين في الفلسفة، وكذلك منتقدي فرويد من علماء النفس بكونه Unfalsifiable.
يعتقد فرويد أن الواعي واللاواعي متساويان، والعلاقة بينهما أقرب لأن تكون علاقة واجهة أمامية وخلفية لنفس الجدار من أن تكون مجرد كون اللاواعي مجرد جزء مساعد ذا تأثير محدود.
هل للثقافة أثر على العقل اللاواعي؟
على الأرجح، نعم. والثقافة، كما فصّلنا أعلاه من التفسيرات العديدة للتصرفات التي تضهر بتأثير اللاوعي.
هناك تفسير أن للعادات المجتمعية والثقافية أثر واضح، سواء في العادات المتبعة التي قد لا تتذكر أنك قررت تقليدها، أم الأفكار التي تم تثبيطها بفعل البيئة المجتمعية المحيطة.
هل يتغير محتوى وميول العقل اللاواعي؟
لو كان ذلك مستحيلا فلا فائدة من التحليل النفسي من الأساس! لكن كما هو بديهي أن ليس من السهل التأثير على ما ترسخ في عمق نفسي بعيد، وبالطبع لا يمكن أن يحدث تلقائياً. كما هو الحال في القسم الأكبر من المشاكل النفسية المتعلقة بإقتناعات وإنطباعات راسخة في ذهن الشخص كالوسواس القهري على سبيل المثال، تبقى طرق العلاج والتدريب بالكلام والتحليل الطريق الأكثر وضوحاً والأكثر قابلية لأن يؤدي إلى نتائج.
اللاوعي، هل هو خير أم شر؟
نأتي هنا لأحد الإختلافات الأساسية بين العقل الواعي واللاواعي: الرادع الأخلاقي موجود فقط في التفكير الواعي؛ للأنه يحتاج التدخل والتحليل وإطلاق أحكام والتصرف على ضوئها.
كيف نعرف محتوى العقل اللاواعي؟
حسب فرويد، لا يمكن التواصل مع اللاوعي إلّا عن طريق الحوار. يتم ذلك بالملاحظة للدقيقة لكلمات العميل أثناء جلسة العلاج او التحليل النفسي. معرفة اللاواعي غير ممكنة بشكل دقيق ومفصل، لكن هذه الكلمات والافعال الصادرة عنه يمكن أن تستخدم كدليل أو مسار لإفتراض وتكوين روابط مع ما نعرفه من معلومات.
أين في دماغنا يوجد اللاوعي؟
“إن من السخف إنكار وجود اللاوعي في مكان ما في الدماغ، ولعل فكرة تحديد منطقة من مناطق الدماغ يوجد فيها اللاوعي أكثر سخفاً!” تجادل الكاتبة في التحليل النفسي أليس روزنبام، وتُكمل: “ربما من الأفضل أن يكون سؤالنا: أين في اللاوعي يوجد الدماغ؟”
قد يبدو أن هنالك إنحياز واضح ومحاولة لقول أن اللاواعي حقيقة وظاهرة لا يمكن إنكارها، إلا اننا نعلم أنها لم تصل بالضبط إلى كونها حقيقة علمية، ونرى من هؤلاء المتحمسين للعقل اللاواعي، ومن المعارضين له، كمية الجدل والإختلاف التي يثيرها الموضوع حتى الآن.
هل يوجد دليل علمي على وجود اللاوعي؟
يوصف اللاوعي بإنه ناتج عن إستدلال أكثر من كونه ضاهرة نفسية، فهو تفسير فريد لما تبدوا زلّات او تعابير عفوية. تُقدم بين الحين والآخر بحوث ودراسات في نواحي التحليل النفسي الأخرى غير اللاوعي، لكنها مع ذلك تُقدم ما يتناسب مع ما وصفه فرويد، خصوصا في العشرين سنة الأخيرة.
هل يتسم اللاوعي باللاعقلانية؟
غالباً ما يتم تصور اللاوعي على أنه غير عقلاني ولا يأتي نتيجة تفكير، خصوصاً أن النظام الذي وضعه فرويد في وصف اللاوعي معقد وهجين بشكل يبدوا أنه يتسم بالعشوائية، إلّا أن فرويد يؤكد أن هناك عملية تفكير تجري في الجزء اللاواعي.
ما الفرق بين اللاوعي (Unconscious) وما خلف (تحت) الوعي (Subconscious)؟
كان فرويد بشكل عام، كطبيب وكعالم، حساساً تجاه الغموض فيما يتعلق بعمله، حيث رفض مصطلح (Subconscious) الذي يعني حرفياً “تحت الوعي” لأنه إعتقد أنه يؤدي إلى سوء الفهم: حيث أنه قد يوحي، إما بأن اللاواعي جزء ثانوي تحت الوعي يؤثر أحياناً على الأفعال والأفكار، أو أن اللاوعي والوعي يمكن أن يتضاربا ويختلفاً. وكلا الفكرتين مرفوضتان في تفسير فرويد لذلك فضل إستخدام مصطلح اللاوعي (Unconscious) لمنع حصول هكذا خلط.
المصادر:
- The Unconscious Mind John A. Bargh and Ezequiel Morsella Yale University
- Toward an Integrative Understanding of Human Mental Life and Action Roy F. Baumeister and John A. Bargh
- Life Scripts: Unconscious Relational Patterns and Psychotherapeutic Involvement Richard G. Erskine
- A new perspective on the relationship between body and mind in the unconscious: The comparison between Freud and Merleau-Ponty Lei Zhang, Xiaoli Yuan, and Hanying Cuicorresponding author
- The Unconscious: Frequently Asked Questions: Freud Museum London.
المراجع:
Bargh, J. A., & Morsella, E. (Yale University). “The Unconscious Mind. “Baumeister, R. F., & Bargh, J. A. “Toward an Integrative Understanding of Human Mental Life and Action. “Erskine, R. G. “Life Scripts: Unconscious Relational Patterns and Psychotherapeutic Involvement. “Zhang, L., Yuan, X., & Cui, H. “A new perspective on the relationship between body and mind in the unconscious: The comparison between Freud and Merleau-Ponty.” Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC9905137/Freud Museum London. “The Unconscious: Frequently Asked Questions.”