علماء النفس

عالم النفس السويسري جان بياجيه، ونظريته في التطور المعرفي

جان بياجيه ونظريته في النمو المعرفي

جان بياجيه (Jean Piaget) عالم نفسي سويسري، يعد واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في علم النفس التنموي (Developmental psychology). عمله الرائد في النمو المعرفي قد شكّل أساساً لفهمنا لكيفية تعلم الأطفال وتطورهم العقلي.

نظرية بياجيه، التي تحدد أربع مراحل متميزة من النمو المعرفي، تظل ركيزة أساسية في كل من الأبحاث النفسية والممارسات التعليمية. يتناول هذا المقال بالتفصيل حياة جان بياجيه، ونظريته الشهيرة في النمو المعرفي، وتطبيقات عمله العملية، والنقد الذي ظهر تجاجها بعد مرور الزمن.

جان بياجيه هو عالم نفسي سويسري وُلد في 9 أغسطس 1896 في نوشاتيل، سويسرا. يُعتبر واحدًا من أبرز الشخصيات في علم النفس التنموي. اشتهر بنظريته حول النمو المعرفي للأطفال، والتي أثرت بشكل كبير على الفهم الحديث لكيفية تعلم الأطفال وتطورهم العقلي.

منذ صغره، أظهر بياجيه اهتمامًا عميقًا بالعلوم الطبيعية. نشر أول ورقة علمية له في سن العاشرة، والتي ركزت على ملاحظاته لعصفور ألبينو محلي. هذا الاهتمام المبكر بالبيولوجيا كما يرى كثيرون، وضع الأساس لعمله اللاحق في علم النفس.

درس بياجيه جامعة نوشاتيل، حيث حصل على دكتوراه في العلوم الطبيعية في عام 1918. كانت أبحاثه للدكتوراه حول الرخويات، وكانت نتائجه محل تقدير كبير في الأوساط العلمية. ومع ذلك، سرعان ما توسع فضول بياجيه ليشمل مجالات التحليل النفسي وعلم نفس الطفل (Child psychology).

كان الحافز لإهتمامه بهذا المجالات قضائه بعضاً من الوقت في مختبر ألفريد بينيه في باريس، حيث عمل على اختبار الذكاء. كانت هذه التجربة محورية، حيث وجهت بياجيه نحو فهم كيفية تفكير الأطفال وتعلمهم.

تعد نظرية بياجيه في النمو المعرفي إطارًا شاملاً يصف طبيعة وتطور الذكاء البشري.

افترض بياجيه أن الأطفال ليسوا مجرد متلقين سلبيين للمعرفة بل هم بناة نشطون في فهمهم للعالم. تتضمن عملية البناء هذه سلسلة من المراحل، كل منها يتميز بقدرات معرفية وطرق تفكير مختلفة.

حدد بياجيه أربع مراحل رئيسية للنمو المعرفي:

  1. المرحلة الحسية-الحركية (Sensorimotor)  
  2. المرحلة قبل التشغيلية  (Preoperational)  
  3. المرحلة التشغيلية الملموسة (Concrete Operational)  
  4. والمرحلة التشغيلية الشكلية (Formal Operational).

لكل من هذه المراحل مدى من العمر لابد أن يتم التعلم بواسطتها خلاله. فيما يلي تفصيل في كل مرحلة.

المرحلة الحسية-الحركية هي أول مراحل التطور عند بياجيه، وتمتد من الولادة حتى حوالي سنتين من العمر. خلال هذه الفترة، يتعلم الأطفال عن العالم من خلال حواسهم وأفعالهم. حدد بياجيه ستة مراحل فرعية ضمن هذه الفترة:

  1. الانعكاسات (0-1 شهر): في هذه المرحلة الأولية، تتفاعل الأطفال مع البيئة بناءً على الانعكاسات الفطرية مثل المص والإمساك.
  2. ردود الأفعال الدائرية الأولية (1-4 أشهر): يبدأ الأطفال في تنسيق المدخلات الحسية مع الأفعال الحركية. على سبيل المثال، قد يمصون إبهامهم عن طريق الصدفة ثم يكررون الفعل لأنه ممتع.
  3. ردود الأفعال الدائرية الثانوية (4-8 أشهر): يبدأ الأطفال في تكرار الأفعال التي تنتج نتائج ممتعة في بيئتهم، مثل هز اللعبة لسماع الصوت.
  4. تنسيق ردود الأفعال (8-12 شهرًا): تظهر السلوكيات المتعمدة عندما يجمع الأطفال بين خطط مختلفة لتحقيق هدف، مثل تحريك لعبة للوصول إلى أخرى.
  5. ردود الأفعال الدائرية الثلاثية (12-18 شهرًا): يجرب الأطفال أفعالًا جديدة لملاحظة نتائج مختلفة، مما يظهر الفضول تجاه الجديد والمتنوع.
  6. الفكر التمثيلي المبكر (18-24 شهرًا): يبدأ الأطفال في تشكيل تمثيلات عقلية للأشياء والأحداث، مما يشير إلى بداية التفكير الرمزي. يتضح هذا في سلوكيات مثل التظاهر بأن الموزة هي هاتف.

تمتد المرحلة قبل التشغيلية من حوالي 2 إلى 7 سنوات من العمر. خلال هذه المرحلة، يبدأ الأطفال في الانخراط في اللعب الرمزي ويتعلمون التعامل مع الرموز، لكنهم لا يفهمون بعد المنطق الملموس. تشمل الخصائص الرئيسية لهذه المرحلة:

  1. الأنانية (Egocentrism): يواجه الأطفال صعوبة في رؤية الأشياء من وجهات نظر أخرى غير وجهة نظرهم الخاصة.
  2. الإحياء (Animism): يعزو الأطفال الصفات البشرية إلى الأشياء غير الحية، مثل الاعتقاد بأن الشمس حية وتتبعهم.
  3. التمركز (Centration): يركز الأطفال على جانب واحد من الموقف ويتجاهلون الجوانب الأخرى. على سبيل المثال، قد يركزون فقط على ارتفاع الماء داخل الكوب دون النظر إلى عرضه عند تقدير كمية الماء.
  4. عدم المحافظة (Lack of Conservation): لا يفهم الأطفال أن خصائص الأشياء يمكن أن تبقى كما هي على الرغم من التغيرات في الشكل أو المظهر. على سبيل المثال، قد يعتقدون أن قطعة من الطين ذات كمية اكبر عندما تكون مفروشة لتأخذ مساحة اكبر مقارنة بكميتها عندما تكون في شكل كرة.

تمتد المرحلة التشغيلية الملموسة من حوالي 7 إلى 11 عامًا. خلال هذه الفترة، يطور الأطفال التفكير المنطقي حول الأحداث الملموسة. تشمل الميزات الرئيسية لهذه المرحلة:

  1. المحافظة (Conservation): فهم أن الكمية تظل كما هي على الرغم من التغيرات في الشكل أو المظهر. على سبيل المثال، يدرك الأطفال أن كمية السائل في كوب طويل ونحيف هي نفسها في كوب قصير وعريض.
  2. اللامركزية الإدراكية (Decentration): القدرة على النظر في جوانب متعددة من الموقف في نفس الوقت. على سبيل المثال، يمكنهم فهم أن الكرة الطينية والطين المنشور بشكل مسطح يحتويان على نفس كمية الطين.
  3. الانعكاسية (Reversibility): فهم أن الأشياء يمكن أن تتغير ثم تعود إلى حالتها الأصلية. على سبيل المثال، يعرفون أنه إذا سكبت الماء من حاوية إلى أخرى، يمكن سكبه مرة أخرى في الحاوية الاولى.
  4. التصنيف (Classification): القدرة على تنظيم الأشياء في فئات وفئات فرعية. يمكن للأطفال تصنيف الأشياء وفقًا لمعايير متعددة، مثل اللون والحجم.

تبدأ المرحلة التشغيلية الشكلية حوالي سن 11 سنة وتستمر حتى البلوغ. خلال هذه المرحلة يطور الأفراد القدرة على التفكير بشكل مجرد ومنطقي. تشمل الخصائص الرئيسية:

  1. التفكير المجرد (Abstract Thought): القدرة على التفكير في المفاهيم المجردة والمواقف الافتراضية. على سبيل المثال، يمكن للمراهقين مناقشة الأفكار الفلسفية الواضحة والنظر في الاحتمالات المستقبلية.
  2. حل المشكلات (Problem-Solving): تطوير مهارات حل المشكلات بشكل منهجي ومنطقي. يمكنهم التخطيط واختبار الفرضيات بطريقة علمية.
  3. الاستدلال الافتراضي الاستنتاجي (Hypothetical-Deductive Reasoning): القدرة على تطوير الفرضيات وتكوين الاستنتاجات المنطقية منها. على سبيل المثال، يمكنهم التفكير في سيناريوهات “إذا كان-فإن”.
  4. ما وراء المعرفة (Metacognition): الوعي والفهم لعمليات التفكير الخاصة بهم. يمكنهم التفكير في تفكيرهم واستراتيجياتهم، مما يؤدي إلى تحسين التعلم وحل بعض المعضلات.

كان لنظرية بياجيه تأثير عميق على التعليم، حيث تم تطوير مناهج تعليمية تؤكد على أهمية التعلم النشط والاكتشاف. يشير عمله إلى أن الأطفال يتعلمون بشكل أفضل عندما يكونون مشاركين فاعلين في عملية التعلم ويمكنهم بناء المعرفة من خلال التجارب العملية. أدى ذلك إلى إنشاء ممارسات تعليمية تشجع على الاستكشاف والتجريب وحل المشكلات.

في ما يلي بعض التطبيقات في مجال التعليم:

  • بيئات التعلم البنائية (Constructivist Learning Environments):

الفصول الدراسية المصممة بالإعتماد على ملاحظات بياجيه غالبًا ما تحتوي على أنشطة تعلم عملية حيث يمكن للأطفال التلاعب بالأشياء واستكشاف الأفكار. يعمل المعلمون كموجهين، يوجهون الطلاب بينما يكتشفون ويكونون معرفة عن الأشياء.

  • الممارسات المتناسبة مع مراحل النمو (Developmentally Appropriate Practices):

أفادت مراحل التطور عند بياجيه في تصميم مناهج تناسب القدرات المعرفية للأطفال في مختلف الأعمار. على سبيل المثال، يركز التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة على التجارب الملموسة واللعب الرمزي، بينما يقدم التعليم اللاحق تفكيرًا أكثر تجريدًا.

  • التعلم القائم على الاستفسار (Inquiry-Based Learning):

تشجيع الطلاب على طرح الأسئلة، وصياغة الفرضيات، وإجراء التجارب يعكس النهج العلمي الذي قيمه بياجيه. تساعد هذه الطريقة الطلاب على تطوير مهارات التفكير النقدي والتعلم المستقل.

واجهت نظرية بياجيه عدة انتقادات على الرغم من تأثيرها الواسع. يجادل بعض الباحثين بأن بياجيه يقلل من قدرات الأطفال، خاصة في المراحل المبكرة. حيث أظهرت بعض الدراسات أن الأطفال الرضع والأطفال الصغار قد يمتلكون بعض القدرات المعرفية التي لم يصفها بياجيه، مما يشير إلى أن النمو المعرفي قد يبدأ في وقت أبكر مما اقترحه.

فيما يلي بعض نقاط الضعف في نظرية بياجيه كما يرى بعض من إنتقدوها:

  • الاستمرارية مقابل المراحل

أحد الانتقادات الرئيسية هو نموذج بياجيه التطوري المرحلي. يجادل النقاد بأن التطور المعرفي هو أكثر استمراريةً وأقل مرحليةً مما اقترحه بياجيه. قد يظهر الأطفال قدرات من مراحل مختلفة في نفس الوقت، لكن الانتقال بين المراحل ربما يكون أكثر سلاسة مما يقترحه نموذج بياجيه.

  • العوامل الثقافية

إنتقاد آخر هو أن نظرية بياجيه لا تأخذ بعين الاعتبار بشكل كامل العوامل الثقافية التي تؤثر على النمو المعرفي. حيث أظهرت بعض الأبحاث أن الممارسات الثقافية والأنظمة التعليمية يمكن أن تؤثر بشكل ملموس على كيفية تطوير الأطفال للمهارات المعرفية.

قد لا تكون نظرية بياجيه، التي تم تطويرها بشكل رئيسي من خلال دراسات على الأطفال السويسريين قابلة للتطبيق عالميًا دون النظر إلى السياق الثقافي.

  • التقليل من قدرات الأطفال

أظهرت الأبحاث باستخدام أساليب أكثر حساسية أن الأطفال، حتى الرضع منهم، قد يمتلكون قدرات معرفية أكثر تطورًا مما اعترف به بياجيه. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات التي تستخدم تقنيات التعود والتفضيل بالنظر أن الرضع يمكنهم فهم دوام الكائنات والمفاهيم العددية الأساسية في وقت أبكر مما اقترحه بياجيه.

*لا تزال أعمال جان بياجيه، رغم الإنتقادات التي تناولت جوانب متفرقة من أعماله، ذات أهمية كبيرة وتأثير واسع وتطبيقات عديدة في مجال علم النفس بشكل عام، وتعليم وتطور الأطفال بشكل خاص.

يتم الآن، الى حد ما، الإستناد إلى أبحاث بياجيه في تطوير وتطبيق طرق تعليمية مناسبة لأطفال التوحد ومن لديهم صعوبات في التعلم، حيث يتم التركيز على تعليم الأطفال المهارات والقدرات حسب مراحل التطور المعرفي، ويتم التركيز على تطوير كل منها في تعليم أولئك الأطفال.

جان بياجيه كتب العديد من الكتب التي تتناول موضوعات علم النفس والتنمية المعرفية. تشمل أهم مؤلفاته:

  1. لغة وفكر الطفل” (Language and Thought of the Child)
  2. أصول الذكاء عند الطفل” (The Origins of Intelligence in Children)
  3. علم النفس والذكاء” (Psychology and Intelligence)
  4. التفكير والتفكير المنطقي” (Thinking and Reasoning)
  5. التطور المعرفي: النظرية والمنهج” (Cognitive Development: Theory and Method)

نظرية البنيوية (Structuralism) عند جان بياجيه تتعلق بفكرة أن النمو العقلي يتم تنظيمه في هياكل (Structures) معرفية متتالية. كان بياجيه يعتقد أن هذه الهياكل تتطور بشكل طبيعي مع تقدم الطفل في العمر وتزداد تعقيدًا.

جان بياجيه كان يرى أن الأطفال ليسوا متلقين سلبيين للمعرفة، بل هم بناة نشطون لفهمهم للعالم من حولهم. اعتقد أيضا أن الأطفال يتعلمون من خلال التفاعل المستمر مع بيئتهم ومن خلال تجاربهم الشخصية، مما يؤدي إلى بناء فهم متزايد التعقيد.

نظرية جان بياجيه هي نظرية التطور المعرفي، والتي تفترض أن الأطفال يمرون بأربع مراحل متميزة من النمو المعرفي.

مراحل النمو عند بياجيه هي نفسها مراحل التطور المعرفي:

  1. المرحلة الحسية-الحركية (Sensorimotor Stage): يتعلم الأطفال عن العالم من خلال حواسهم وأفعالهم.
  2. المرحلة قبل التشغيلية (Preoperational Stage): يبدأ الأطفال في استخدام الرموز، ولكنهم لا يفهمون المنطق المجرد بعد.
  3. المرحلة التشغيلية الملموسة (Concrete Operational Stage): يبدأ الأطفال في تطوير التفكير المنطقي حول الأحداث الملموسة.
  4. المرحلة التشغيلية الشكلية (Formal Operational Stage): يطور الأفراد القدرة على التفكير بشكل مجرد ومنطقي.

لقد تركت مساهمات جان بياجيه في علم النفس أثرًا لا يُمحى على فهمنا للنمو المعرفي. تظل نظريته عنصرًا أساسيًا في علم النفس التنموي والتعليم.

بينما قامت الأبحاث اللاحقة بتنقيح وتوسيع أفكاره، تظل المبادئ الأساسية لنظرية بياجيه ذات صلة وتأثير في فهم كيفية تعلم الأطفال ونموهم. يؤكد عمل بياجيه على أهمية رؤية الأطفال كمشاركين نشطين في رحلة تعلمهم، يبنون ويعيدون بناء فهمهم للعالم باستمرار.

  1. Piaget, J. (1952). The Origins of Intelligence in Children. International Universities Press.
  2. Piaget, J. (1964). Development and Learning. In R.E. Ripple & V.N. Rockcastle (Eds.), Piaget Rediscovered. Ithaca, NY: Cornell University Press.
  3. Piaget, J., & Inhelder, B. (1969). The Psychology of the Child. Basic Books.
  4. Vygotsky, L. S. (1978). Mind in Society: The Development of Higher Psychological Processes. Harvard University Press.
  5. Bruner, J. (1966). Toward a Theory of Instruction. Harvard University Press.
  6. Flavell, J. H. (1963). The Developmental Psychology of Jean Piaget. D. Van Nostrand Company.
  7. Gelman, R., & Baillargeon, R. (1983). A review of some Piagetian concepts. In J. H. Flavell & E. M. Markman (Eds.), Handbook of Child Psychology: Vol. 3. Cognitive Development (pp. 167-230). John Wiley & Sons.
  8. Siegler, R. S. (1998). Children’s Thinking (3rd ed.). Prentice Hall.

محمد قحطان

A medical student, and a scientific-content writer who writes mostly in Arabic, mainly about Psychology, Psychiatry, Philosophy, and the liberal arts
زر الذهاب إلى الأعلى