نظريات في علم النفس

سيكولوجيا الثأر، والإنتقام في علم النفس

دراسة نفسية في طبيعة ومناشئ الانتقام

مقدمة

لماذا تكون غريزة الثأر قوية للغاية حتى عندما يكون من الواضح أن الموت والدمار على نطاق واسع سيكونان نتيجة محتملة أكثر بكثير من أي نوع من “النصر”؟ في حالة نشوب حرب نووية، لماذا يكون رد الضربة الثانية مؤكدًا جدًا في حين أنه قد لا يؤدي لإسترداد أي قيمة مادية؟ نحن نؤمن بهذه الأشياء لأن البشر يشتركون في تعطشهم للإنتقام في مواجهة التهديد وفي أعقاب الخسارة.

 إن الانتقام والثأر في جوهرهما يعتبران إستجابة نفسية للعدوان (Aggression). الانتقام له عدة سمات نفسية ذات صلة بفهم معنى الردع. على سبيل المثال – وربما على عكس ما هو متوقع – الإنتقام لا يكون بدافع عقلاني لمنع تكرار فعل التعدي في المستقبل، بل هو إلى حد كبير بهدف المتعة التي تنشأ عند تحقيق الإنتقام.

إن الأساس الفسيولوجي النفسي لهذه المتعة مدروس ومعروف في الأوساط العلمية وهو ذا علاقة مباشرة بمستقبلات المتعة والمكافئة.

آليات الانتقام:

كما إقترحنا أعلاه، أحد الأسباب التي تجعل فعل الردع فعّالا، على الرغم من لا عقلانيته كما في مثال الضربة النووية الثانية، هو أن التهديد بالانتقام والثأر يحفز مشاعر قوية تؤدي إلى مكافآت فسيولوجية (شعور بالمتعة أو الرضا).


تم في الفترة الأخيرة التوصل الى عشرات الأدلة البحثية، لاسيما في سيناريوهات الصراع، إلى تمييز مهم بين اثنين من المشاعر التي تعتبر أساسية في الصراع الجماعي بشكل عام، وطرق الردع على وجه التحديد. هذه المشاعر – الغضب والكراهية – توفر الأسس التحفيزية لأنظمة المعاملة بالمثل والثأر السلبي الموصوف أعلاه.

  • الغضب

الغضب هو مفتاح العملية وأساس فكرة المعاملة بالمثل. فهو مكون وظيفي لـنظام تحفيزي معقد في البشر مصمم لحل تضارب المصالح لصالح الطرف الغاضب. يرسل الغضب إشارة إلى الشخص الذي تم تجاوز حدود رفاهيته وبالنتيجة التركيز على وضع أهمية أكبر لمشاعر وحق الشخص الغاضب وهذا يترجم الى رد فعل مع شعور ذلك الفرد بأحقيته بالرد.

  • الكراهية

الغضب قد يغذي ردود الفعل في حالة التعامل مع الأعداء، حيث يسعى الخصم إلى إجبار خصمه لإعادة المعايرة على أمل تعاون ناجح في المستقبل.. ولكن في مواجهة الأعداء الألداء، يمكن للكراهية أن تنفجر تلقائيًا.

إن الرغبة والغريزة يمكن أن تتولى الجزء الباقي من عملية الإنتقام. بهذه الطريقة يصبح الهدف من الإنتقام أكثر من مجرد ضمان حق المضلوم، بل لأجل الإنتقام نفسه والمتعة الناتجة عنه.

إن الدافع المولد للرغبة بالإنتقام يظهر من خلال هرمونات مثل الأدرينالين. فالتنظيم الهرموني للشعور بالمتعة المرتبط بالانتقام لا يعتبر مفاجئة في السياق التطوري؛ حيث يكفي الانتقاء الطبيعي لتشكيل الأنظمة العصبية لل “الرغبة” أو تكوين “نكهة” في الانتقام عندما يكون ذلك مناسبًا بشكل تكيفي.

  • إيصال رسالة

إن فشل معظم الناس في الشعور بالرضا بعد الانتقام لا يعني أن الانتقام لن يشعر المنتقم بالرضا أبدًا. كان البحث عن هذا الجانب من الانتقام هو الدافع وراء العمل الأخير لـ عالم النفس الألماني ماريو كولويتزر. يقول كولويتزر: “أعتقد أن الانتقام لديه فرصة منخفضة بشكل عام للنجاح أو إرضاء المنتقم”. “أنا كنت مهتمًا بتلك الحالات التي يمكن أن يكون فيها الانتقام “حلوًا”، وتساءلت ما الذي يجعل الانتقام أمرًا لطيفًا بالنسبة إلى المنتقم “.

إستجابة لذلك الاهتمام، لقد صمم (Gollwitzer) بعض التجارب المتقنة؛ وكان إستنتاجه، كما يقول، أن الأمر يتطلب “معايرة دقيقة” لإثارة استجابة قوية من المشاركين مع البقاء داخل الحدود الأخلاقية للتجارب. (لا يسع المرء إلا أن يفكر، كم من المعلومات يمكن أن نتعلمه عن الانتقام إذا سُمح للمنتقم بقتل والد الجاني والزواج من أمه؟).

نظريات الثأر

 استكشف كولويتزر نظريتين حول سبب كون الثأر مرضيًا. تعرف الأولى باسم “المعاناة المقارنة” (Comparative suffering)، وهي فكرة أن مجرد رؤية الجاني يعاني يعيد التوازن العاطفي للمنتقم. إذا كان هذا صحياً، فإن ضحايا الإعتداءات الذين يتم إعلامهم بمصيبة حلت بالجاني يجب أن يشعروا بالرضا بنفس القدر في حالة كانوا مسؤولين بشكل شخصي عن تلك المصيبة.

النظرية الثانية – “فرضية الفهم” (Understanding hypothesis)- ترى أن معاناة المعتدي لاتكفي لتحقيق إنتقام مرضي، وإنما بدلاً من ذلك يجب أن يتأكد المنتقم من أن الجاني توصل إلى فهم الصلة بين ما حصل له وفعلته الأولى.
من المفيد الإطلاع على كيف يتم وضع هكذا نظرية في علم النفس، تجد هنا تفصيلاً في ذلك.

ما بعد الثأر

يشير التاريخ الطويل للإنتقام في الفن إلى غريزة أساسية للعقاب متأصلة في الروح البشرية. في الواقع، تؤكد الحقائق الحديثة إلى حد كبير هذا الخيال القديم: حيث أن الثأر تم الاستشهاد به كعامل في واحدة من كل خمس جرائم قتل تحدث في البلدان المتقدمة (Developed countries)، حيث ووجد تقرير من عام 2002 أنه بين عامي 1974 و2000 ثلاثة من كل خمس حوادث إطلاق نار في المدارس في الولايات المتحدة كانت بدافع بالانتقام.

ولكن إذا كان طعم الانتقام سيئًا للغاية بالنسبة للإنسان، فلماذا يظل طبقًا مفضلًا للناس؟ رداً على هذا التناقض الواضح، فقد اعتنق العديد من علماء النفس تفسيرًا تطوريًا للانتقام. مايكل ماكولو وبنيامين تاباك من جامعة ميامي، إلى جانب روبرت كورزبان من جامعة بنسلفانيا.

أعدت ولاية بنسلفانيا مؤخرًا فصلًا في كتاب يلخص كون إسترداد الحق بالإنتقام كوظيفة. حيث إقترحوا كون أعمال الإنتقام الفردية تستقبل على أنها إعلان للجماعة بأن أفعالاً معينة ستؤدي إلى رد فعل. بعبارة أخرى، قد يكون الغرض من الثأر أقل من كونه للرد على جريمة معينة بقدر ما يتعلق بمنع عدة جرائم أخرى أو تكرار تلك الجريمة أو الإعتداء.

  • The Complicated Psychology of Revenge By Eric Jaffe 
  • Revenge after trauma: Theoretical outline January 2011 DOI:10.1007/978-3-211-99741-3_5 In book: Embitterment (pp.42-69) Authors: Ira Gäbler Andreas Maercker University of Zurich

محمد قحطان

A medical student, and a scientific-content writer who writes mostly in Arabic, mainly about Psychology, Psychiatry, Philosophy, and the liberal arts
زر الذهاب إلى الأعلى